الزائر لقرى وبلدات جبل العرب، لا يمكنه أن ينهي زيارته، دون أن تلفت انتباهه مشاهد لمئات التجاويف الصخرية، أو مايسميها السكان المحليون "الأجران" المنحوتة في صخور منطقة "اللجاة"، التي شكلت لغزاً للكثير من الباحثين عن الكنوز الدفينة.

تجاويف صخرية يعتقد أنها نحتت يدوياً من قبل نحاتي الألف العاشر قبل الميلاد، ليتبين بمزيد من البحث والتنقيب أنها أجران استخدمها من تعاقبوا على هذه المنطقة، بما فيهم أجدادنا لطحن الحبوب.

لغز الأشكال

لم يمنع العمر الزمني للأجران الحجرية، المنحوتة بدقةٍ وإتقان، والتي تفننت في نحتها أيادٍ ماهرة متمرسة، استخدامها من قبل أجدادنا، للأغراض المنزلية "طحن الحبوب، والملح وغيرها".

جرن دائري

يقول الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" لمدونة وطن "eSYria ": "رغم مضي آلاف السنين، على الولادة التاريخية، لمعالم مناطق جبل العرب الأثرية، إلا أن بواطنها ما زالت الأم الولّادة للكثير من المقتنيات الأثرية التي أحيتها التنقيبات الأثرية، بعد موتها سريرياً لأكثر من ألفي عام جراء عوامل الطبيعة، إذ أسفرت المسوحات والدراسات الأثرية التي قامت بها البعثة الوطنية في تسعينيات القرن الماضي وتحديداً في منطقة "القراصة"، عن اكتشاف العديد من التجاويف الصخرية والأجران الحجرية، ومعظم هذه الأجران اتخذت شكلاً مخروطياً، وقد أظهرت الاكتشافات التي أظهرتها البعثة للعلن أن بعض هذه الأجران أُكتشفت في السطح العلوي لتدفقات البازلت، والبعض الآخر تم اكتشافه في منطقة اللجاة السفلية، مع ملاحظة أن وجود هذه الأجران لم يكن وحيداً، فقد أظهرت التنقيبات وجود مبانٍ وأدوات تعود للفترة الكوفية أي الألف العاشر قبل الميلاد، إضافة لبعض اللقى الأثرية التي تعود لعصر البرونز"، مع الإشارة إلى أن هذه الأجران والتجاويف الصخرية، ليست كما يظن البعض أنها إشارات دالة على كنوز دفينة، بل كانت لها استخدامات منزلية، والبعض الآخر استخدم للزينة".

ويتابع "كيوان" قائلاً: "لم يكن اللغط الكلامي العام حول ما تحمله هذه الأجران من إشارات ودلالات أثرية، خاصة أمام تنوع أشكالها التي تدرجت من الدائري إلى المستطيل، ومن ثم المخروطي، إلا مجرد نظرية وهمية حملها خيال الباحثين عن الكنوز، فحقيقة أشكالها واختلافتها أرجعه العارفون بشؤون الآثار إلى كيفية جلوس من كان يقوم بنحتها، أي ظروف العمل مثل موقع الشمس أثناء وقت العمل، أو اتجاه الرياح السائدة على سبيل المثال لا الحصر ما أدى إلى اختلاف أشكال هذه الأجران".

نشأت كيوان

تنقيبات أثرية

حسن حاطوم

بعد معرفة أسباب اختلاف أشكالها كان لا بد من الوقوف على ماهية استخداماتها، وفي هذا السياق تحدث الباحث الأثري "حسن حاطوم" بالقول: "إنه بعد إخضاع هذه الأجران، ولا سيما المُكتشف منها، للتحليلات الأثرية، وتالياً أخذ عينات من الرواسب الموجودة في أسفلها، ومطابقتها مع التربة الموجودة بالقرب منها، بغية معرفة مدى تشابه التربة مع موجودات الأجران، أظهرت النتائج وجود مواد مثل الكوارتز وبنسب عالية ومعادن طينية، حيث كان الهدف من هذه التحليلات معرفة المادة النباتية التي تمت معالجتها في هذه الأجران، وبالتالي تحديد نوعيتها، فتبين أن معظمها يعود للقمح أو الشعير، ولا يزال البحث عن أصول هذه الحبوب قيد الفحص".

ويوضح "حاطوم" أنه وبعد توثيق الأجران المكتشفة وتسجيلها في السجلات التراثية والتاريخية، تم قياس محيطها وأقطارها حتى وإن كان بعضها غير دائري تماماً، وكذلك قياس المقاطع والعمق والتعبئة أي ما يمكن احتواؤه من مواد، ومن الملاحظ بشكل أولي أن توزيع هذه الأجران كان أكثر كثافة في المنطقة المرتفعة من التل البازلتي، وبالقرب من البيوت الدائرية التي تم اكتشافها بمنطقة "قراصة".