من غرفة أحد أبنية "جرمانا" عاد "فراس دردوره" وإخوانه إلى قطعهم الخشبيّة وأزاميلهم الصّغيرة، بعد عودتهم من "لبنان" ليبدؤوا تأسيس مشروعهم من نقطة الصّفر، مجددين في حرفتهم التي أحبوها وأبدعوا فيها، فعاودوا شق طريق نجاح جديد، مقتحمين أسواقاً خارج الحدود، طلبت أعمالهم بالاسم.

أسرار المهنة

أتقن أبناء "محمود دردوره" حرفة آبائهم وأجدادهم الذين جاؤوا إلى "دمشق" في ثمانينيات القرن الماضي من محافظة "إدلب"، وتعلموا فن الحفر على الخشب وتصديفه، وكانت البداية من منازلهم وبما كانوا يجدونه من قطع خشبية فيحفرونها، ويشكلون منها قطعاً جميلة من صناديق وقباقيب خشبية، فأبدعوا بتكويناتها بعد أن أخذوا من شيوخ كار الحرفة في تلك الأيام، وأضافوا إليها من صدف نهر "الفرات" في "دير الزور"، وتابعوا في إتقانهم وابداعهم، ونقلوه من جيل إلى جيل، ليشكلوا إرثاً فريداً.

تابعت وإخوتي "يحيى" و"وائل" مع والدي الحرفة بأدق تفاصيلها، ووعينا كل أسرارها من لحظة انتقاء الخشب إلى تحويله قطعاً فنية تلفت الأنظار بما فيها من حسٍّ فني حرصنا عليه أن يكون جميلاً راقياً، فقد أخذت منا الجهد والوقت، فحبنا لها يبدأ من لحظة اختيارنا قطعة الخشب (جوز أو زان)، وقد جفت لسنين أقلها خمس سنوات، لنبدأ العمل فيها بأيدنا وأدواتنا من مبرد وملزمة وشاكوش وإزميل، وبعض من الآلات التي أحدثناها، ونقطعها لنقوم فيما بعد بانتقاء التّصميم ورسمه، إما نباتياً أو خطوطاً أو كتابة عربية، ووفق نماذج هي إما (طلس، أو معشق، أو عربي، أو مشجر، أو مكتّب)، ومن ثم وضع هذا الرّسم على ورق الكيك ونطبعه على الخشب، وقد كنا سابقاً في هذه المرحلة نستخدم النيلة الزرقاء، تأتي بعد ذلك مرحلة دق الرّسمة وتحديدها بأزاميل معينة، ومن ثم يبدأ تنزيل خيط القصدير أو النّحاس أو الفضة بالخشب، ويلحقها حفر وتفريغ مكان كل صدفة يدوياً ووضعها فيه واحدة تلو أخرى بعد تجهيزها حيث تقطع وتنظف وتجلخ، (قديماً كان العمل يتم بالمبرد اليدوي)، أما مرحلة الإنهاء الأخيرة فتؤجل إلى ما قبل موعد التّسليم مباشرة

يقول "فراس محمود دردوره" في حديثه لمدوّنة وطن "eSyria" :«تابعت وإخوتي "يحيى" و"وائل" مع والدي الحرفة بأدق تفاصيلها، ووعينا كل أسرارها من لحظة انتقاء الخشب إلى تحويله قطعاً فنية تلفت الأنظار بما فيها من حسٍّ فني حرصنا عليه أن يكون جميلاً راقياً، فقد أخذت منا الجهد والوقت، فحبنا لها يبدأ من لحظة اختيارنا قطعة الخشب (جوز أو زان)، وقد جفت لسنين أقلها خمس سنوات، لنبدأ العمل فيها بأيدنا وأدواتنا من مبرد وملزمة وشاكوش وإزميل، وبعض من الآلات التي أحدثناها، ونقطعها لنقوم فيما بعد بانتقاء التّصميم ورسمه، إما نباتياً أو خطوطاً أو كتابة عربية، ووفق نماذج هي إما (طلس، أو معشق، أو عربي، أو مشجر، أو مكتّب)، ومن ثم وضع هذا الرّسم على ورق الكيك ونطبعه على الخشب، وقد كنا سابقاً في هذه المرحلة نستخدم النيلة الزرقاء، تأتي بعد ذلك مرحلة دق الرّسمة وتحديدها بأزاميل معينة، ومن ثم يبدأ تنزيل خيط القصدير أو النّحاس أو الفضة بالخشب، ويلحقها حفر وتفريغ مكان كل صدفة يدوياً ووضعها فيه واحدة تلو أخرى بعد تجهيزها حيث تقطع وتنظف وتجلخ، (قديماً كان العمل يتم بالمبرد اليدوي)، أما مرحلة الإنهاء الأخيرة فتؤجل إلى ما قبل موعد التّسليم مباشرة».

الحرفي فراس مدير إنتاج مؤسسة دردوره

توسع وانتشار

الحرفي عبد الله خرما

يضيف "فراس" :«قام الوالد بتوسيع حلقة العمل في الحرفة، وتمكّن من إسقاطها على تكوينات جديدة كثيرة من خزائن بمختلف القياسات والاستخدامات، وكذلك الطاولات بمختلف الأنواع والأحجام، وغرف النوم والكراسي والمرايا وعلب الضّيافة وغيرها الكثير فالقائمة تطول، وتمكّنا من تنويع أشكال التّطعيم لتضم بالإضافة إلى الصّدف، التّطعيم بالنحاس والفضة وكذلك ماء الذهب والزّجاج والرّيزن والقيشاني والرخام، ومع هذا التّوسع وفي بداية التّسعينيات فُتحت لنا أبوابٌ للعمل خارج "سورية"، فأنشأنا في "لبنان" ورشتنا الخاصة، وثبّتنا بصمتنا وأكدنا حضورنا المتميز في هذه الحرفة بما طورناه فيها، حيث أضفنا إلى القطع التّقليديّة التي اعتدنا صنعها، قطعاً من النمط الحديث تتماشى وأسلوب الحياة المعاصر، وفتحنا بعد ذلك نوافذ حضور لعملنا في "مصر" و"الأردن" و"الخليج"، و"بريطانيا" و"أميركا"، وسعينا لنكون سفراء ناجحين متميزين لبلدنا "سورية".

ويتابع بالقول: "عدنا مجدداً إلى "سورية" لإنعاش عملنا مجدداً، قمنا بتجديد الورشة وأحدثنا مؤسستنا للشرقيات، وسُجلت رسمياً مؤسسة لها أقسامها من إنتاج، وتسويق، وعلاقات عامة، وأدرنا عجلة التّصدير من "دمشق" وعبر مطار "دمشق الدولي" والجارة "لبنان".

الحرفي الصغير حيدر الغوراني

الحفاظ على التراث

لم تغب عن شباب "دردوره" فكرة المحافظة على تراث البلد، فكانت أبواب ورشاتهم مفتوحة لتعليم أصول هذه الحرفة وأساسياتها، وجعلوها من جهة نوادي صيفية للطلاب المحبين لنوعية هذا العمل، ومن جهة أخرى استقبلوا الشّباب من أقاربهم ومن الموهوبين الرّاغبين بالتعلم ووجدوا فيهم السعي الجدي للتعلم، فخصصوا لهم المساحة والوقت، وكان للحرفي "عبد الله خرما" حصة وفيرة مكنته من إتقان هذه الحرفة، وعقد العزم على نقلها إلى أولاده.

في حين بدأ "حيدر الغوراني" العمل في سن مبكرة فقد استثمر عطلته الصّيفيّة المدرسية في تعلم الحرفة التي أحبها وأتقن تفاصيلها بدقة وبوقت لم يتجاوز السنتين، حيث بدأ بمجاورته حرفيي الورشة أثناء عملهم ومتابعتهم، وبدأ بالمحاولة مرة تلو أخرى إلى أن أتقن جميع مراحلها، وغدا حرفياً متمكّناً بين معلمي هذه الحرفة.

لم يتوقف طموح شباب "دردوره" عند تطعيم الخشب بالصدف، إنما لديهم عمل هو في نهايته، يساهم في شيء من إنعاش تراث البلد وتثبيت هويتها الحضارية، حيث يقومون بتأمين لقاء للعديد من الحرفيين والفنانين المعروفين في صناعة القيشاني والزجاج وأغلب حرف النحاس وغيرها من الحرف ضمن ورشة كبيرة جامعة وحاضنة لها ولإنتاجاتها.