قلّما يجتمع الفن في عائلة واحدة مثلما اجتمع في عائلة "جعفر" من مدينة "سلمية"، أربعة أشقاء شغفهم الفن وكان لكل واحد منهم نصيب وافر منه، فشقوا طريقهم كل في اختصاصه، وتركوا بصمة فنية لا تزال حاضرة حتى الآن رغم مرور عقود على بداياتها.

القدوة

البداية من الشقيق الأكبر "وليد جعفر" (74) عاماً الذي يروي قصة تعلقه بفن الرسم بالقول:

<<بعد حصولي على الثانوية درست السنة الأولى في كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق" عام 1968، ولكن تركتها بعد انتقالي للسنة الثانية بسبب الأحوال المادية الضيقة حيث لا معين لنا إلا راتب والدي وكان مساعداً أول في الشرطة، والتحقت بالكلية الحربية لكن بقي الفن ساكناً بروحي أمارسه باستمرار، فشاركت بمعارض الرسم السنوية التي تقيمها الإدارة السياسية في المتحف الحربي من وحي حرب تشرين التحريرية التي شاركت بها، وعندما تقاعدت من الخدمة العسكرية عام 1992، عملت برسم المطبوعات على الألبسة، واللوحات المطبوعة على الرخام أرضية وجدارية، يستهويني الفن التصويري وقد أنتجت ما لا يقل عن 300 لوحة، وقد استوحيت لوحاتي أيضاً من أغاني السيدة "فيروز"، وعملت في تصاميم لوحات فسيفسائية، وشاركت بعدة معارض في "دمشق" عام 1987 وفي المركز الثقافي في "سلمية" وفي الجمعيات الأهلية فيها، ولم تشغلني المادة فقد أهديت اللوحات لأصدقائي>>.

مجموعة أعمال الأشقاء الفنانين

عدوى الفن

الفنان محمود قداح صديق الفنان معتز جعفر

بدوره يقف الفنان "عدنان جعفر" (71) عاماً، في حديثه للمدونة عند محطات من حياته الفنية ودراسته، ويقول: <<منذ طفولتي تأثرت بشقيقي الأكبر "وليد" بحب الفن والجمال، حتى أنني بدأت بصنع نماذج خشبية لطائرات وحيوانات عندما كنت في المرحلة الإعدادية، وبعد حصولي على الثانوية، درست كلية فنون جميلة قسم ديكور وتصميم داخلي، وتخرجت عام 1978، كنت أعمل مع دراستي الجامعية بالإعلانات الصحفية مع المؤسسة العربية للإعلان من عام 1974 حتى 1980، بالإضافة للصحف اللبنانية بتوقيع "جعفر"، وعملت بتصميم لوحات الطرقات، و"لوغيات" وتصاميم السورية للإعلان، وعملت على إعلان خاص بمناسبة مهرجان (أسبوع العلم) السنوي برعاية وزارة التعليم العالي، وصممت البروشور والشعار الخاص بالمشاركين، وطورت أعمالي الإعلانية، للإعلان السياسي، فأضفت عناصر للموضوع أو مرفق كتابة في بداية 1980 وكنت أقيم معارض بالمركز الثقافي في "سلمية" (لوحات إعلانية طابعها اجتماعي وسياسي)، أقدم فيها قراءةً للوضع العربي الراهن وللقضية الفلسطينية، وشاركت بمهرجانٍ للشباب العربي أقيم في "دمشق" بلوحات زيتية ولوحات إعلانية، وفزت بالمركز الأول عن عملي (كامب ديفيد)، ثم بدأت بلوحة عام 1999 أنهيتها بـ2000 واسميتها بالألفية الثالثة وشاركت بها بأكثر من معرض، أحدها في نقابة المعلمين بـ "حماة" عام 2000 وأعمل الآن في مجال الإعلان وتصميم الديكور>>.

مرسم ومعارض

انتقالاً إلى الشقيق الثالث "غسان" (67) عاماً والذي تعلق بفن الرسم باكراً هو الآخر، حيث يقول: <<بدأت المنافسة بيني وبين زملائي بإنتاج أجمل لوحة منذ كنت بالصف الثالث الابتدائي، وتأثرت بإخوتي الأكبر مني الجنرال "وليد" والفنان "عدنان"، وتابعت الرسم وبعد حصولي على الثانوية دخلت كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق" قسم الحفر والطباعة وتخرجت عام 1978، ومارست التعليم في المدارس الإعدادية وكان عندي مرسمي الخاص في البيت، وشاركت بمعارض محلية على مستوى المحافظة والجمهورية في "دمشق" سنوياً، وشاركت في معرض جماعي مع الفنان "قصي عيزوق" و"عهد الماغوط" و"رياض الشعار" و" أمين الجندي" و"شعيب الحرك"، وأشارك بالمعارض من عام 2002 مع جمعية العاديات، وجمعية أصدقاء "سلمية"، وأقمت عدة معارض مع أخي "عدنان" و"وليد" في المركز الثقافي وعملت معارض بيئية، ورسالتي الفنية هي الهمّ اليومي وعلاقة الإنسان مع الآخر وعلاقته بما يحيط حوله والأماكن الشعبية، وتناولت الجمال من خلال المرأة ولوحات بتشكيل الحروف، وحالياً أمارس هواياتي في مرسمي الخاص بالإضافة لتعليم الموهوبين الصغار في مرسم آخر من خلال دورات تشرف عليها بنات أخي الفنانتان "عبير" و"جمانة"، تقاعدت من التعليم عام 2013 وفي عام 2014 افتتحت مرسماً لتعليم الصغار بإشراف بناتي "ميس" 1984 وهي معيدة في كلية الفنون الجميلة، و"بسمة" 1989 أيضاً خريجة كلية فنون جميلة>>.

النحات العالمي علي فخور أحد تلامذة الفنان غسان جعفر

وعنه يقول النحات العالمي "علي فخور": <<الفنان "غسان" فنان كبير ويعدُّ من أهم الفنانين في مدينة "سلمية" يمتلك حسّاً جمالياً راقياً، ويستطيع التلاعب بالألوان وربطها مع بعضها بجدلية فنية لا تنتهي أبداً ويعدُّ من الفنانين الشاملين للفن بكل زواياه، فهو رسام كبير ونحات وخطاط، ومن خلال عمله كمدرس لمادة الفنون استطاع زرع محبة الفن في نفوس الكثير من الطلاب وأنا منهم فهو أستاذي في المرحلة الإعدادية>>.

ابتكار الجمال

مع الشقيق الرابع "معتز" (61) عاماً تختلف التجربة قليلاً عن تجارب أشقائه الثلاثة، وهو الذي درس في معهد للكهرباء، فتميز بتدوير المعادن نحاس وحديد ويقول عن تجربته : <<مذ كنت طفلاً تأثرت بإخوتي الأكبر مني سناً، وعندما بلغت الثامنة بدأت وبأدواتي البسيطة المكونة من ملحمة وجلخ ومنشار حديدي ومثقب، فصنعت المجسمات كالطاولات وهي من عجلات الدراجة الهوائية، وصممت فرقة موسيقية من العازفين عام 2009 صممتها من براغي وأسلاك حديد، وأقمت المعارض في جمعية أصدقاء "سلمية" وفي "مصياف"، كنت أنتج عدداً كبيراً من هذه المجسمات قبل الأزمة، وقد قلّ الإنتاج بسبب انقطاع الكهرباء، وصممت راقص المولوية ومجسم سيارة ودراجة نارية>>.

ويقول الفنان "محمود قداح": <<الفنان "معتز" شخصية استثنائية بطبيعته وإنسانيته وفنه، أكثر ما يميزه هو قدرته على ابتكار الجمال والفن من أبسط الأشياء، ولا حدود للفن لديه حتى بشخصه المتواضع، وتظهر ثقافته وعلمه ونظرته الفنية في كل قطعة يصممها>>.

أجري اللقاء في 9 آذار 2022.