تحت مستوى مقام الإمام "إسماعيل" في مدينة "سلمية" بحوالي 50 سم يظهر جزء من لوحة فسيفسائية أرضية نادرة، وهي تمثل 10% من اللوحة الكلية، وتتدرج ألوانها مع تزينات نباتية لتشكل زناراً من الألوان، ولصعوبة الكشف عنها كاملة، تمت تغطيتها بشكل مناسب منعاً من إلحاق أي ضرر محتمل بها.

نظرة تاريخية

يقع مقام الإمام "إسماعيل" وسط "سلمية" إلى الجنوب الشرقي من الحمام الأثري، ويعود تاريخ بناء المكان إلى العهد اليوناني، فقد تم بناء معبد "زيوس" كبير آلهة اليونان، ومنحوه المزيد من العناية والإتقان بالنقوش اليونانية على حجارة صلدة بازلتية كالأعمدة والتيجان والعتبات واللوحات الحجرية، وفي العهد الروماني تحول الى معبد "جو بيتير" حيث قاموا بتضخيمه، واستحضار 12 عمود غرانيت من جنوب "الأردن" أو من "مصر"، وتحول المعبد الوثني الى كنيسة في العهد البيزنطي حيث أصبح أبرشية يتبع لها أكثر من أربعين كنيسة في وسط بلاد الشام، أما بناؤه الأخير كمسجد فقد تم في عهد الأمير "خلف بن ملاعب" صاحب "حمص" قبل قدوم السلاجقة إبان العهد الفاطمي، حيث تحول إلى مسجد عرف بالجامع ذي السبعة محاريب، وإلى جانب هذا الجامع يقوم مدفن الإمامين "تقي محمد" و"رضي الدين عبد الله".

عمرانياً، المدفن رباعي الأبعاد طول ضلعه 20 متراً كانت تعلوه قبة تماثل بارتفاعها قبة الجامع المجاور جامع المحاريب السبعة، وكانت مطلية بماء الذهب حيث ينعكس بريقها تحت أشعة الشمس لعشرات الكيلومترات، وتعرضت المقبرة والجامع المجاور لهزة أرضية عنيفة سنة 1157 م، فتهدمت وبقيت على هذه الحال حتى أعيد ترميمها في عام 1973، وأقيمت القبة فوق أفاريز زينت من الداخل بزخارف متدلية وهي ابتكار فاطمي "المقرصنات".

الباحث التاريخي أمين قداحة

زنار من الألوان

توثيق تاريخي سليم الحموي

يقدم الباحث التاريخي "أمين قداحة" وصفاً للوحة بالقول: <<تقع اللوحة في الجهة الجنوبية للمسجد بالقرب من الهيكل الخارجي للمحراب تحت مستوى المقام بحوالي 50 سم، ولقد تم الكشف عنها عدة مرات للبحث في أمر بقائها أو إزالتها، واللوحة المكشوفة هي ضمن أبعاد 295×350 سم، وهذا القسم الظاهر لا يعد إلا الجزء الأخير المتبقي منها وربما يمثل 10% منها بالنظر إلى الأطراف وهو جزء من المشاهد الداخلية الجميلة، واللوحة من النظرة الأولى هي عبارة عن لوحة فسيفسائية كاملة ولكن نفذت بشكل رسوم أرضية، حيث نلاحظ من الجهة الشرقية والشمالية زناراً من الرسوم النباتية الجميلة بعرض 30 سم، وهذه الرسوم بلون رمادي متدرج بدرجات لونية جميلة على أرضية بلون أصفر غامق، ثم يليه زنار آخر أحمر بعرض 19 سم، ثم زنار آخر أكبر عرضاً 65 سم على أرضية بيضاء بتزيينات نباتية ملتفة وبلون رمادي متدرج، ثم تأتي المشاهد الداخلية الأساسية على شكل مربعات وضمن كل مربع شجرة أو نبتة معينة ومرسومة بأشكال محترفة بحيث تعطي الرسومات بعداً ثالثاً لا مثيل له وكل مربع 110×110سم وبشكل عام يغلب على اللوحة بعد جمالي آخر>>.

رسومات على الأرض

ويضيف الباحث "قداحة" قائلاً: <<اللوحة محصورة بأساسين أصليين (بقايا أساس) من الجهة الشرقية والشمالية، حيث نرى ركوب أساس المحراب التابع للمقام بمسافة جيدة من الجهة الشمالية، ونرى اقتطاع الأساس للرسومات على طول الجدار التابع للمقام، ومن الجهة الغربية يلاحظ أساس ثانوي بني مؤخراً في فترة لاحقة، ربما يكون تابعاً للمقام، ومن الجهة الجنوبية نرى اللوحة مقتطعة، ولذلك لا بد من متابعة الحفر من الجهة الغربية والجنوبية حتى يتم استكمال المخطط الكامل للوحة ونتعرف على ماهية المكان، فمن المهم جداً أن نعرف أصل المكان هل هو مخطط لقصر أم لكنيسة أم مسجد، ونلاحظ في الزاوية الشمالية الشرقية بقايا إكساء جداري على الحجر من مادة الحرمل والكلس، لتؤكد لنا حدود اللوحة من الجهة الشمالية والشرقية في ما عدا ركوب الأساس التابع للمحراب.

خلف المحراب الجنوبي لمقام الإمام إسماعيل لوحة فريسك من العصر الأموي

وعن طريقة تنفيذ اللوحة يرى الباحث: <<طريقة تنفيذ اللوحة مميزة نظراً لندرتها، حيث أن الرسومات منفذة على الأرض وليس على الجدار كما هو معهود، وهذا بدوره يعطي صعوبة في نزعها في حال تقرر ذلك، لقد تم تجهيز أرضية مناسبة وذلك من خلال إعداد رصف الأحجار الكبيرة نوعاً ما ومن ثم ملؤها بمواد محروقة وهذا الأمر يحتاج إلى مزيد من التنقيبات الأثرية حتى نتأكد من هذه السوية بالضبط، وربما تكون هذه السوية تابعة لفترة أقدم من سوية الرسومات، وبعد ذلك تم تجهيز سوية أخرى من البحص الخشن وتم أيضاً تجهيز الكلس مع البحص الناعم ومن ثم مزجت بشكل كامل، وبعد تجهيز طبقة كلسية ناعمة وهي لملء الفراغات والشقوق وبالتالي لتجهيز السطح للرسم، ومن الملاحظ أنه تم تنفيذ الرسومات على طبقة جافة أو نصف جافة وهذا ما نلاحظه في عدة مواقع من خلال التحزيز ببعض الخطوط>>.

سلم ألوان

يتابع الباحث "قداحة" حديثه بالقول: <<ثمة تشابه كبير بين اللوحة وبين لوحة قصر "الحير الغربي" في طريقة تنفيذها وطبقاتها وحتى في أسلوب رسمها، حتى يتبادر لذهننا أنها تعود للفترة الزمنية نفسها وهو الأرجح، وهذا بدوره يؤكد لنا أهميتها لندرة هذا الطراز في تشكيل الرسومات، حيث لا يوجد في "سورية" حالياً إلا هاتان اللوحتان قد نفذتا بهذه الطريقة على الأرض، أما سلم الألوان المستخدم بهذه اللوحة فهو الأسود بدرجاته والأحمر والأصفر والوردي وهناك أحمر فاقع وأصفر غامق، واللون الرمادي طاغٍ في رسومات التزيين والإطارات، وتم اختبار الألوان جميعها وتبين أنها جيدة وقوية رغم أن الألوان عادة ما تكون في مثل هذه الحالات ضعيفة، لأنها منفذة على أرضية جافة أو شبه جافة وتكون الروابط أيضا بين الألوان ضعيفة وخاصة بين الأسود والأحمر>>.

وعن فكرة اقتلاع اللوحة يقول: <<لا يمكن اقتلاع هذه اللوحة من مكانها ولا حتى بطريقة التقسيم إلى أجزاء، لأن ذلك سيؤثر في المشاهد والرسومات، وبما أن اللوحة تقع ضمن حرم المقام فهي في أمان ويجب حمايتها من عوامل الرطوبة الطارئة، ويجب أن تكون الزيارة لرؤية اللوحة من خارج الغرفة التي ستقام عليها، وضرورة تأمين مصادر تهوية طبيعية أو اصطناعية مدروسة وإضاءة غير موجهة مع مراقبة وضع اللوحة بشكل مستمر وتأمين حراس عليها، وتقع المسؤولية على عاتق مجلس المدينة والجهات الأمنية، ومراعاة الطابع المعماري المميز للموقع فلا يكون شاذاً عن هذا الطراز، وضرورة تغطية وحماية اللوحة بالكامل في حال تقرر إنشاء الغرفة، وستكون معلماً سياحياً وثقافياً يسلط الضوء على تاريخ هذه المنطقة، لذلك يجب أن يتم ذلك بإشراف لجنة فنية مؤلفة من مهندسين ومعماريين ومرممين لتقييم الوضع بكل اعتباراته الفنية والهندسية والمعمارية، حتى يبت بأمرها لأنها لا تحتمل الانتظار طويلاً>>.

مع وقف التنفيذ

بدوره يقول "علي قنوع" عضو مجلس مدينة سابق: <<في عام 2000 حضر مدير آثار "حماة" وبرفقته بعثة آثار أجنبية لإخراج اللوحة المدفونة في الجهة الجنوبية من مقام الإمام "إسماعيل" وذلك لنقلها إلى متحف "حماة"، ولكن رفض الأهالي أوقف خطوة نقل اللوحة، وتم إرسال لجنة وزارية من "دمشق"، وبعد الكشف ومعاينة اللوحة طلبوا دفنها من جديد بعد وضع كمية من الرمل المناسب للحفاظ عليها وإعادة تبليط المكان، وما زالت اللوحة تنتظر تحت الأرض لتحدثنا عن فترة ولادتها>>.

ويعطي "سليم الحموي" من شعبة الآثار تفصيلات أخرى للوحة ويقول: <<هي لوحة فسيفسائية كاملة نفذت بشكل رسوم أرضية على شكل إطارات من التزيينات النباتية والمشاهد الداخلية الأساسية على شكل مربعات، وضمن كل مربع شجرة أو نبتة معينة مرسومة بشكل احترافي، واللوحة محصورة بأساسين أصليين، بقايا أساس من الجهة الشرقية ومن الجهة الشمالية الغربية يوجد أساس ثانوي بني مؤخراً، ومن الجهة الجنوبية مقتطعة، واللوحة نفذت بشكل مميز بطريقة نادرة لأنها على الأرض وليست على الجدار وتعود أهميتها إلى وجه التشابه الكبير بينها وبين لوحة قصر "الحير الغربي" في طريقة التنفيذ والطبقات، وحتى في أسلوب رسمها، أي أنها تعود للفترة الزمنية نفسها وهي العصر الأموي 110 للهجرة، وتأتي أهميتها أيضاً لندرة هذا الطراز في تشكيل الرسومات حيث لا توجد في "سورية" حالياً إلا هاتان اللوحتان الأرضيتان وتمت تغطية اللوحة بشكل كامل من قبل خبير بالفريسك من المديرية العامة للآثار والمتاحف ريثما يتم القيام بأسبار وتنقيبات أثرية في المنطقة بشكل عام>>.