كثيرة هي الذكريات الجميلة والصفحات الطيبة التي مازالت في الأذهان، ومازال الكثيرون يعرفونها عن معمل الأرز بـ"القامشلي"، رغم أنه لم يبق منه إلا صورة قديمة في الذاكرة لمن بقيوا على قيد الحياة.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 16 تموز 2014، زارت معمل تقشير الأرز عندما كانت الأراضي والقرى عامرة بتلك الزراعة، وقد كانت لنا وقفة في موقع المعمل واللقاء بأحد أبناء الحي الحاج "محمد صالح" الذي يحفظ الكثير من ذكرياته القديمة، فقال: «أنا من أبناء الحي الغربي، وجميعنا يعرف أن مكان المعمل لم يتغير أبداً حتى اليوم. والجميل أنّ هناك طقوساً جميلة كانت تقام خلال تقشير الأرز، فالأهالي كانوا يتوافدون من كل حدب وصوب، ويشكلون لوحات وعلاقات اجتماعية مازالت مستمرة حتى اليوم، ومن كان يأتي من خارج المدينة كان يأخذ قسطاً من الراحة وينام عند أي شخص في الحي، والأهم أن المعمل شكل نقطة اقتصادية وحركة كثيفة في الحي تحديداً، علماً أن أهالي المنطقة مازالوا يزورون موقع المعمل عن قرب لأنهم يعتبرونه من الصروح المهمة في "القامشلي"».

في عام 1950 أتذكر أنني كنتُ مرافقاً لأحد أقربائي إلى المعمل حيث موسم جني الأرز، ولفت انتباهي وقتها تعاون الجميع من أجل إنجاز العمل، والغريب أن العمل كان ينجز مهما كانت كمية الأرز التي يتم إحضارها كبيرة

السيد "حسين الخليل" تحدّث عن العلاقة التي جمعته مع المعمل، فقال: «في عام 1950 أتذكر أنني كنتُ مرافقاً لأحد أقربائي إلى المعمل حيث موسم جني الأرز، ولفت انتباهي وقتها تعاون الجميع من أجل إنجاز العمل، والغريب أن العمل كان ينجز مهما كانت كمية الأرز التي يتم إحضارها كبيرة».

الباحث جوزيف أنطي

الباحث التاريخي "جوزيف أنطي" تحدث عن بعض التفاصيل المتعلقة بذاك المعمل، فقال: «في الثلاثينيات كانت هناك مساحات واسعة وشاسعة من الأراضي المزروعة بالأرز وتحديداً في مناطق "الدرباسية" وبعض القرى التابعة لمدينة "القامشلي"، وأوّل من ابتكر وقام بهذه الزراعة في منطقتنا العائلتان المشهورتان زراعياً "أصفر، نجار"، ولذلك كانت تلك المساحات وتلك الأطنان الهائلة من الأرز بحاجة إلى معمل ضمن أسوار مدينة "القامشلي" لينجز العمل ويتم على أكمل وجه، وهناك من تصدى لهذه المهمة من خلال مجموعة من الشركاء، فبنوا معملاً مجهزاً بكامل الأدوات والوسائل التي كانت تخدم المعمل، وبني على طريق "القامشلي، عامودا" في الحي الغربي تحديداً، أمّا بالنسبة للعمل فيه، فكانت تحت جدرانه لوحة اجتماعية كاملة ومتكاملة، فالعامل والمعمل والمزارع كانوا يتعاونون في إنجاز العمل، وكانوا ينجزون تقشير مئات الأطنان يومياً، لأنهم كانوا يواصلون ساعات طويلة من الكد والجد والاجتهاد، حتّى إنه اعتبر المنشأة الوحيدة تقريباً التي كانت بتلك الأهمية والفائدة».

الكاتب "أنيس حنّا مديوايه" أحد كتّاب تاريخ مدينة "القامشلي" وأحد أهم المدونين فيها، سرد لنا تفاصيل أخرى عن حكاية معمل الأرز، فقال: «في الأربعينيات تم إنشاء المعمل لحاجة المنطقة إليه بمشاركة ومؤازرة ملك الأرز حينها السيد "فيكتور الخبّاز"، والمنطقة كانت مشهورة وناجحة جداً بتلك الزراعة خاصة قرى "ملوك سراي" التي تبعد عن مدينة "القامشلي" 17كم، وبناءً على طلب من وزارة المالية بـ"دمشق" أسست في مالية "القامشلي" شعبة مصلحة الإنتاج الزراعي لجباية الرسوم على مادة الأرز قبل تقشيرها في المعمل وقبل نقلها خارج المحافظة. وفي عام 1946 كنتُ مديراً لتلك الشعبة المالية الخاصة بالأرز، وكان معي فريق عمل كامل ضمن الشعبة مهمتها التنسيق والإشراف والترتيب على مادة الأرز لأهميته ونجاحه، ولكن شيئاً فشيئاً انخفضت المساحات المزروعة بالأرز فانتهى دور المعمل وتوقف عن تقشير الأرز في منتصف الخمسينيات، وتحول المعمل إلى معمل للثلج البارد الذي بدوره توقف عن العمل في السنوات الخمس الماضية».