تعدّ بئر قرية "المتونة" المحفورة في الصخر، واحدة من الآبار الكثيرة التي أنشئت بفضل وادي "اللوى"، ويعود تاريخها إلى العصر البرونزي ومازالت قائمة حتى اللحظة...

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث الأثري "وليد أبو رايد" المختص بآثار المنطقة الجنوبية بتاريخ 16 آذار 2014 الذي تحدث عن موقع البئر، ويقول: «تقع بئر "المتونة" إلى الشمال من القرية على طريق "دمشق" –"السويداء"، حيث تتوضع البقايا الأثرية غربي وادي "اللوى" مباشرة، التي تعود إلى أول استيطان بشري في المنطقة منذ العصر البرونزي الحديث في الفترة الممتدة من العام 1200 قبل الميلاد، وما بعد، حيث كان يعبر هذا الوادي بقعة زراعية سهلية حفر أخدوده ضمنها بتعرجات حادة وتنمو على ضفافها نباتات الغار والشوكيات، وتزرع المساحات السهلة على الجانبين بالحبوب، ويغذي الوادي القرية القديمة من خلال تزويد بركتيها الجنوبية المعروفة محلياً باسم بركة "المطخ" وهي الأكبر، والشمالية المحاذية للوادي مباشرة من جهة الغرب التي تعرف محلياً باسم بركة "الحمام"، وقد نتجت البركتان من جرّاء قطع واقتلاع الصخور وقصبها لبناء عمائر القرية المختلفة، فهي إذاً مقالع صخرية استخدمت بعد الانتهاء منها في تخزين مياه الأمطار ومياه وادي "اللوى" الذي يمر إلى الشرق منها ويزوّدها بالمياه الفائضة منه في فصل الربيع، وتزوّد البركة الجنوبية البئر الرئيسية بالمياه عبر قناة حجرية مسقوفة تجرّ المياه الفائضة من حافة البركة الشمالية الغربية إلى البئر، وبنيت القناة من حجارة بازلتية مقصّبة بارتفاع 50سم وعرض نحو 40سم وسقفت بالرقائق البازلتية، كما بلّطت أرضيتها ببلاطات مماثلة، وتتعرّج القناة في مسارها موافقة لميلان الأرض لتصل حافة البئر الجنوبية الشرقية».

انقطع جريان وادي "اللوى" في السنوات الماضية بشكل نهائي وتحوّل إلى مجرى جاف بسبب حجز مياه وادي "نمرة" الذي يعد المرحلة الأولى من وادي "اللوى" بعد بناء سد "شهبا" الجديد شرقي المدينة، ونتج عن هذا الانقطاع جفاف الأراضي الزراعية التي كان يمر عبرها الوادي وبالتالي جفاف كروم العنب والتين والزيتون التي كانت تروى منه، فهذا الوادي كان عصب الحياة الزراعية في القرى التي أنشئت بسببه، وبالتالي سبب ذلك جفافاً للبئر المحفورة بالصخر البازلتي، وتم تخريب فوهتها وسطحها من قبل الجاهلين، ولكن ظلت الآبار التي حفرت في هذه القرى صامدة تنتظر جدرانها صرير المياه يعصف بداخلها

أما فيما يتعلق بالبئر ووصفها فيتابع "أبو رايد": «حفرت البئر في الصخر كـ"جب" بعمق كبير جداً، وأحيطت الفوهة بالربدات لتشكِّل مربعاً تسدّ فوهته بقطعة حجرية واحدة حفاظاً على نظافة المياه المخزونة فيها حتى فصل الصيف، وهو موعد استهلاكها بعد أن تشح مياه البركتين السطحيتين، وتبدو الحجارة المحيطة بفوهة البئر ملساء صقيلة نتيجة كثرة السير عليها أثناء نشل المياه منها، وقد كانت البئر تختزن المياه طوال أيام السنة حتى زيارتي لها في صيف عام 2006 حيث كانت المياه موجودة في قعرها، ولكنها اليوم جافة بعد تخريب فوهتها وتوسيعها لتسهيل الحصول على المياه منها من قبل أصحاب المواشي في المنطقة الذين ما زالوا يرتادون البئر مع قطعانهم طلباً للمأوى في صبة "اللجاة" شديدة القفر والحرارة».

بركة "الحمام" التي كانت تغذي البئر

ويشير إلى وجود بئرين مماثلين في قرية "الصورة الصغرى" إلى الشمال من "المتونة"، تستخدمان حتى اليوم، ولكن تاريخ بنائهما أقرب من هذه البئر.

من ناحيته تحدث أستاذ التاريخ "مزيد الصحناوي" المهتم بتاريخ المنطقة عن أهمية موقع البئر، وأثرها على المنطقة، ويقول: «أنشئت البئر عند النهاية الشرقية لصبة "اللجاة" الواسعة، حيث تلتقي اللحف الصخرية بالسهول الزراعية ذات التربة الفاتحة القليلة العمق، التي كانت تعتمد فيما مضى على مياه الوادي في ري المزروعات نتيجة قلة نسبة الأمطار في المنطقة بشكل عام، مما حدا بالسكان لإقامة نوع من الزراعات الموسمية شبه المستقرة المعتمدة على الأمطار والرطوبة المستجلبة من خلال مرور وادي "اللوى" ضمن السهول الصالحة للزراعة، وقد وفر وجود البئر الكثير من العناء للناس الذين لجأوا إليها في الظروف الصعبة من أجل الشرب وسقاية الماشية والزراعات المحيطة به، ولعل وجودها بعيداً عن السكن مرده للمحافظة على مائها بعيداً عن التلوث».

قناة بئر المتونة التي عصف بها الزمن

ويتابع: «انقطع جريان وادي "اللوى" في السنوات الماضية بشكل نهائي وتحوّل إلى مجرى جاف بسبب حجز مياه وادي "نمرة" الذي يعد المرحلة الأولى من وادي "اللوى" بعد بناء سد "شهبا" الجديد شرقي المدينة، ونتج عن هذا الانقطاع جفاف الأراضي الزراعية التي كان يمر عبرها الوادي وبالتالي جفاف كروم العنب والتين والزيتون التي كانت تروى منه، فهذا الوادي كان عصب الحياة الزراعية في القرى التي أنشئت بسببه، وبالتالي سبب ذلك جفافاً للبئر المحفورة بالصخر البازلتي، وتم تخريب فوهتها وسطحها من قبل الجاهلين، ولكن ظلت الآبار التي حفرت في هذه القرى صامدة تنتظر جدرانها صرير المياه يعصف بداخلها».

الباحث "وليد أبو رايد"