عند البحث عن سيرته؛ تجدها محفورة في تاريخ "دمشق"، فهو الباحث الأكاديمي، والأستاذ الجامعي، والمعلم الذي يساعد الباحثين في بحوثهم الخاصة والعامة، خاصة عندما يتعلق الأمر بفك رموز وأسرار الوثائق السورية الموجودة في مركز الوثائق التاريخية...

إنه الباحث الدكتور "أكرم العلبي"؛ الذي وافته المنية قبيل بداية 2014 بأيام قليلة، مدونة وطن "eSyria" التقت عدداً من الباحثين وزملاء الأستاذ المرحوم "أكرم العلبي" للتعرف عليه أكثر، وبدأت مع الدكتورة الباحثة "عزة آقبيق" -زميلة الأستاذ "أكرم" وصاحبة هذا المقال- التي قالت:

إنه كان مجداً في عمله، يتعامل مع الوثيقة بكفاءة عالية وأمانة، كما يعرف عنه حبه وولعه بالإحسان؛ فكان على تواصل مع "العالم المحتاجة"؛ حيث إنه يذهب بنفسه لتقديم المساعدات والدعم للمحتاجين

«وأنا أكتب كلماتي، كنت أتساءل من يعينني على التذكر؟ ليتحول فكري إلى صاحب خطط "دمشق"، "أكرم حسن العلبي"، وفجأة انهال الدمع غزيراً، على الصديق، الذي حظيت بشرف زمالته منذ عام 1988م، كان حاضراً في المكتبة الوطنية، والمكتبة الظاهرية، وفي دار الوثائق التاريخية، وفي المعهد الفرنسي للدراسات، وفي مجمع اللغة العربية.

الدكتور محمد غسان عبيد

في تلك المراكز تعرّفته، نحيل القد متوسط القامة، منكب على الكتابة، بكل جوارحه، ذلك العالم الذي استطاع التعامل مع المخطوط والكتاب والوثيقة، بحرفية وجدية قل نظيرها، كل ذلك لم يمنعه من التعامل مع محيطه الطالب للتعلم والمعرفة، قصده الجميع، وكنت أنا منهم، قصده العالم برمته، طالباً منه إسهامه في بحث أو تفسير للوثائق الموجودة في دار الوثائق التاريخية، وعليه ظهرت ترجمات لها بلغات متنوعة، كان له اليد البيضاء في ظهورها على مسرح البحث بلغات بلدان مختلفة، كانت أغلبها تخص بلاد الشام، أو "دمشق"؛ التي أحبها فكتب عنها مؤلفات عدة».

الدكتور "محمد غسان عبيد" مدير مركز الوثائق التاريخية، تحدث بتاريخ 10 كانون الثاني 2014 عن الأستاذ "أكرم العلبي" بالقول: «إنه كان مجداً في عمله، يتعامل مع الوثيقة بكفاءة عالية وأمانة، كما يعرف عنه حبه وولعه بالإحسان؛ فكان على تواصل مع "العالم المحتاجة"؛ حيث إنه يذهب بنفسه لتقديم المساعدات والدعم للمحتاجين».

ولد الباحث "أكرم العلبي" في حي "القيمرية"؛ أحد أعرق أحياء "دمشق" القديمة، هذا الحي الذي أعطى ثلة من علماء دمشق، ففي بيوته الجميلة وقصوره القديمة ترعرعت أجيال، كان متفوقاً في مجمل العلوم الاجتماعية، وعليه التحق طالباً بكلية الآداب قسم التاريخ في جامعة "دمشق"، أولع المترجم له بالتاريخ العام بالمجمل، ولكنه أحب تاريخ وطنه بكافة فتراته، فحفظه بذاكرة الباحث وليس الطالب.

عمل مدرساً لمادة التاريخ للمرحلة الثانوية، ثم مفتشاً للمادة في فترة لاحقة، تفرغ لدراسة علوم الدين في المعهد العالي لها، فبزر بين أفراد دفعته فقيهاً بشهادة من الشيخ "صالح فرفور"، ليغادر موطنه ليلتحق بمعهد البحوث والدراسات العربية في "القاهرة"، ليدعم تفوقه العلمي بنيل شهادة الماجستير عام 1978م، من قسم البحوث والدراسات التاريخية بتقدير ممتاز، تحت عنوان "نيابة دمشق في نهاية عهد المماليك، عهد سيباي".

قصد الأستاذ "أكرم" المملكة السعودية، ليعمل في التوجيه التربوي والإدارة، لمدة ست سنوات، إلا أن حنينه إلى الوطن أرقه، فقدم استقالته، عائداً إلى عرين المعرفة التي تعود الاغتراف منه، انكب بعد عودته على دراسة المخطوطة، بفتراتها المختلفة، وترجم النادر منها، لتتصدر أولى كتبه المكتبات عام 1981م.

عرف "أكرم العلبي" بالخلق الحسن، والصلاح، والزهد، أحبه محيطه لطيب معشره ودماثة أخلاقه وكرمه، حتى إنه كاد أن ينفق كل موارده صدقة لكل سائل، ميزه الورع والتقوى.

الآنسة "هند معلا"؛ مشرفة الأرشيف العثماني في مركز الوثائق التاريخية تحدثت عن سعة اطلاع الأستاذ "أكرم العلبي" وكثرة مؤلفاته، وأنه كان يتعامل مع الكتاب بشكل راقٍ، وله مؤلفات كثيرة وتنوع نتاجه العلمي منه ما عرف باسمه ومنه ما لم يعرف به، تجاوزت مؤلفاته العشرين، نذكر بعضها: "دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين، تيمورلنك وحكايته مع دمشق، الخليفة المتوكل على الله جعفر، الوليد بن يزيد، الملك المعظم توران شاه الأيوبي، دمشق الشام، تاريخ البصروي، خطط دمشق"، والكثير من الكتب القيّمة.