غاب الأستاذ "صميم شريف" بسبب المرض عن محاضرته لكن كلماته حضرت على لسان الباحث الموسيقي "أحمد بوبس" الذي ألقى المحاضرة نيابة عنه وذلك ضمن مهرجان "مساحات شرقية" في دار الأوبرا السورية 24/5/2011 والتي تناول فيها عرض تاريخ الموسيقا بدمشق في القرن العشرين.
وأشار المحاضر بدايةً إلى أن الاكتشافات الموسيقية في "تل الحريري" و"أوغاريت" والدراسات الأثرية في الحضارتين "الأكادية" و"الكنعانية" تدل على أن سكان المنطقة في بلاد الشام عموماً استخدموا "السلم الفيثاغورثي" في الموسيقا حتى قبل وجود "فيثاغورث".
الكورس في إذاعة دمشق خرج كبار المغنين مدرسة حقيقة وتخرج فيه فنانون عظماء مثل مصطفى نصري وكروان
وأضاف: «في العصر الجاهلي بدأت تظهر آلات موسيقية مثل "الكنارة" و"الناي" و"العود" لكن مع عصر الخلفاء الراشدين تراجعت الحركة الموسيقية بسبب نهر المتشددين والمتزمتين لكل من يعمل بالموسيقا».
وذكر الأستاذ "بوبس" أنه في العصر الأموي بدأت الحركة الموسيقية في "دمشق" بالإزدهار ووصلت إلى أوّجها في عصر "الوليد بن عبد الملك" فظهر عدد من المغنين "ابن مصج" "ابن محرز"، وتابع حديثه قائلاً: «حتى جاء الحكم العثماني فظهرت زوايا وحلقات الذكر وبدأت تظهر الطرق الصوفية وظهر عدد من المنشدين أمثال "عبد القادر الشريف" الذي أسس الطريقة "القادرية"، و"محمد ابن كوجك الحلبي" و"محمد أبو الوفا الحلبي" و"مصطفى أبو بكر الحريري". أما فيما يتعلق الموسيقا التركية فقد بدأت تظهر تأثيراتها على الموسيقا العربية نتيجة الهيمنة السياسية، وأتى العديد من الموسيقيين الأتراك إلى دمشق مثل جميل بيك الطنبوري وشوقي بيك زوربا، وسوريين درسوا في تركيا مثل الشيخ علي الدرويش ثم ظهر مؤسس الطريقة المولوية جلال الدين الرومي في حلب».
يؤكد الأستاذ "بوبس" أن الحركة الموسيقية الجدية ظهرت مع "أبي خليل القباني" منتصف القرن التاسع عشر وكان من أشهر ألحانه الباقية حتى اليوم "يا طيرة طيري يا حمامة" و"يا مال الشام"، «وتكمن أهمية القباني أيضا لكونه ترك عدد من التلاميذ الذين واصلوا مسيرته مثل "الشيخ صالح الدرويش" الذي رسخ تقاليد الموشح بدمشق، و"عبد الله أبو حرب" واحد من أقدم المنشدين و"حسين الساعاتي" و"أمين الأصيل" و"عبد الرازاق بيطار" والشيخ "جميل الأدلبي" و"عمر الجراح" و"سلوم أنجيل" و"جرجي الراهبة"».
ويضيف: «أواخر القرن التاسع عشر ذَهَبَ عدد من الموسيقيين السوريين إلى مصر وأبدعوا هناك مثل "كميل شامبير" الذي كان عازفاً على البيانو و"توفيق الصباغ" عازف الكمان و"سامي الشوا" عازف كمان في فرقة السيدة أم كلثوم».
كما تطرق في حديثه للأندية الموسيقية فقال: «في الربع الأول من القرن العشرين بدأت الأندية الموسيقية بالتشكل في "دمشق" وأول محاولة كانت من قبل "شفيق شبيب" وثم تأسس معهد النادي الكشاف عام و/1927/ضم عدداً من الأدباء والموسيقيين أمثال "مصطفى الصواف" أول موسيقي سورية أكاديمي كان حتى عام /1922/ يدرس الطب ثم سافر إلى فرنسا وروسيا ليدرس الموسيقا عملياً وكان يتميز أنه لحن أغاني للأطفال وكان يلحن ما يناسب كل فئة عمرية».
ويشير المحاضر إلى أنه في الثلاثينيات والأربعينيات بدأت الأغنية المصرية تأخذ حيزاً هاماً من المشهد الموسيقي في "دمشق" «وذلك بسبب ظهور السينما المصرية وأفلام السيدة "أم كلثوم" حتى الموسيقي العظيم "رفيق شكري" كتب ولحّن باللهجة المصرية مثل أغنيته الشهية "لما حبيتك ماكنش ذنبي"».
ثم ظهرت المنولوجات الناقدة "سلامة الأغواني" وكانت المنولوجات أغلبها تهاجم الاستعمار الفرنسي.
أول أغنية شامية حسب محاضرة السيد صميم شريف التي قرأها السيد "بوبس" كانت حتى مطلع الأربعينيات من القرن الشعرين وهي "بالفلا جمال ساري" من كلمات "عمر حلبي" وغناء "رفيق شكري" ويعتبر هذا الأخير مؤسس الأغنية الشامية وله أيضا أغنية "غيبي يا شمس غيبي".
وتطرق السيد "بوبس" إلى الحركة الموسيقية في النصف الثاني من القرن العشرين فقال: «مع تأسيس إذاعة دمشق بدأت الحركة الموسيقية تأخذ منحاً جديداً وساهم الزعيم الوطني فخري البارودي عند تأسيس معهد موسيقي تابع للإذاعة بتخريج عدد من الموسيقيين الكبار أمثال عدنان أبو الشامات وأمين الخياط وعدنان قريش الذي يعتبر رائد الأغنية الشعبية»، كما خرجت الإذاعة "عبد الرحمن عبد العال" والد العازف المشهور "عبود عبد العال" و"سليم سروة" و"ياسين عاشق" و"أميل سروة" و"عبد السلام سفر" و"عبد الفتاح سكر".
موقع "eDamascus" حاور السيد "أحمد بوبس" حول الموسيقا "بدمشق" في العصر الحالي وسبب غياب الأغنية الدمشقية والسورية بالعموم فقال: «السبب الأول هو عدم وجود جهات راعية للأغنية السورية وعدم وجود ضوابط صارمة للسماح بالأغنيات كما كان يحدث في إذاعة دمشق حيث كان هناك لجان مختصة لا تسمح بنشر أغنية هابطة، مثلا المطرب فهد بلان رسب ثلاث مرات في اختبار الاذاعة قبل أن ينجح في المرة الرابعة إضافة إلى أنه لا يوجد قانون للحماية الفكرية ولا شركات أنتاج».
أوضاف: «الكورس في إذاعة دمشق خرج كبار المغنين مدرسة حقيقة وتخرج فيه فنانون عظماء مثل مصطفى نصري وكروان».
وتابع حديثه فقال: «لكن أريد أن أذكر بعض خريجات المعهد العالي للموسيقا بدمشق مثل لبانة قنطار وليندا بيطار ممن يحاولون الحفاظ على التراث من خلال تأديته».
وفيما يتعلق بتأثر العازفين السوريين بالموسيقا التركية قال: «لا اعتبر الموسيقيين الحاليين في سورية يتأثرون بالموسيقا التركية كما كان يحدث في منتصف القرن الماضي بل يحاولون فقط تعلم الأساليب، فالتأثير شيء والتعلّم شيء آخر تماما».