ليس فنّاً متعوياً؛ إنما نغمات أوتارٍ معرّشةٍ، تستبسل بين أنامله الغضّة، لتتنهد تلك الأوتار بدايةً، فتلوذ بصمتها لثواني، لتقع أسيرة في عقر صمت مرقِّصها، فتهفو مجدداً لتلتحق بمشيئة أنامل العازف الصغير، الذي كبر عشرين شمعة بإبداعه، لتتندى بالدمع في النهاية، مبشرة بولادة موهبة فنيّة دفّاقة؛ ريّانة في "عامودا".
موقع eHasakeh بتاريخ 9/3/2011 التقى العازف "آلان دريعي" 11 عاماً وذلك في منزل الأسرة في مدينة "عامودا"، وأجرى الحوار التالي، حيث بدأ "آلان" بالحديث عن بدايات عشقه للعزف بالقول: «لا أتذكّر متى وكيف عشقت العزف على الآلات الموسيقية، ولكن ما أذكره أنّ الجميع من حولي كانوا يمدحونني على موهبتي الفنيّة، ويشيرون إلي بإعجاب عندما أبدأ العزف على آلة "الطنبور"، أُولى الآلات التي بدأت العزف عليها، حينها لم أجد نفسي إلا وقد قطعت أشواطاً متميّزة في التدرّب على آلة "البغلمة"*، ولكن كيف لا أذكر لأنني كنت صغيراً جدّاً، ومضى على ذلك أكثر من 4 أعوام، ويعود الفضل في ذلك إلى والديّ ومدرّبي الموسيقي "محمد فرحة"، الذي نمّا في داخلي عشق الموسيقا، وزرع البذرة الأكاديمية الأولى في موهبتي».
لم أواجه منذ البداية الصعوبات لكون والديّ وفّرا الأجواء المناسبة لموهبتي، ولكن في بداية الأمر كنت أواجه مشكلة الخجل التي عانيت منها مراراً، وتغلبت عليها مع مشاركتي في المسابقات وتشجيع الناس لي
وعن المراحل التالية لانطلاقته الموسيقية أضاف "دريعي": «مع إصرار والديّ والعائلة وكلّ من حولي في متابعة التدريب على العزف، اضطررت إلى الابتعاد عن ملاعب اللهو الطفولية، والتمسّك أكثر بمتابعة الدروس وجلسات التدريب، ومن خلالها تواصلت مع مواهب موسيقيّة عديدة، مما شكّل ذلك حافزاً لي للاستمرار، وهذا ما حصل، حيث مازلت أزاول التدريب منذ 4 أعوام دون انقطاع، تعلمت من خلاها على عزف أكثر من 120 مقطوعة موسيقية، وهي جميعها مدوّنة على "النوتة" ولا أعمل إلا وفقها، وتلك المقطوعات هي موسيقا لأغاني فنانين كبار كـ"أم كلثوم، فيروز، آرام تيكران، فقي تيران"، وكذلك لكبار العازفين كـ"بتهوفن"».
وفيما يتعلّق بالمسابقات والمهرجانات التي شارك فيها، وعن الجوائز التي حصل عليها استطرد قائلاً: «شاركت في عدّة مسابقات على مستوى المحافظة والقطر، إضافة إلى العديد من الأمسيات الموسيقية في المدرسة والمراكز الثقافية، حيث حصلت على المركز الأول في مسابقة الروّاد في "عامودا"، وكذلك في مسابقة الروّاد على مستوى "الحسكة"، وشاركت أيضاً في مسابقة الروّاد للعزف على الآلات الوترية، التي أُقيمت في "حمص"، وحصلتُ فيها على المركز الأّول على مستوى "سورية" لدورتين متتاليتين 2009-2010.
ولكن المسابقة التي شغلت ذهني مدّة طويلة كانت مسابقة العود الدولية الثانية التي أُقيمت في "دمشق" صيف 2009، حيث أمضيت أوقاتا جميلة قبل وأثناء المسابقة، وذلك مع أمهر العازفين على مستوى الوطن العربي والعالم، يرافقهم أمهر الأساتذة، وكنت أصغر المشاركين الذين تراوحت أعمارهم بين 14 عاما و19 عاماً، بينما لم أكن أتجاوز في السّن حينها 11 عاماً. شاركت فيها بمقطوعة موسيقية اسمها "أنت عمري" للسيّدة "أم كلثوم"، فلاقت استحسان الجمهور والمشاركين ولجنة التحكيم أيضاً التي كانت تتألف من الأساتذة "سعيد يوسف، شربل روحانا، نصير شمة" والتركي "مهمت بتماز" وغيرهم، حينها قام أمير البزق "سعيد يوسف" بتقبيلي ونادى في الحضور وقال "هذا خليلي"، وللأسف لم أحظ بجائزة المسابقة لصغر سنّي.
وحظيت بزيارة إلى دولة "مصر" منحة من منظمة الطلائع، بمناسبة فوزي للمرّة الثانية على مستوى القطر في مسابقات الروّاد، للعزف على الآلات الوترية، فتجوّلت في معظم أنحاء "مصر" مدّة 20 يوماً، تعرّفت من خلالها على المواهب الفنيّة الفتية فيها، إضافة إلى تعريفهم بالموهبة التي أحتفي بها من خلال العزف في الأمسيات التي كانت تقام كلّ يوم هناك».
أما بالنسبة للصعوبات التي واجهها العازف الصغير فقال: «لم أواجه منذ البداية الصعوبات لكون والديّ وفّرا الأجواء المناسبة لموهبتي، ولكن في بداية الأمر كنت أواجه مشكلة الخجل التي عانيت منها مراراً، وتغلبت عليها مع مشاركتي في المسابقات وتشجيع الناس لي».
وعن اهتماماته الأخرى خارج نطاق الموسيقا وطموحاته المستقبلية يقول "آلان": «أنا أقضي حوالي ساعتين في اليوم للتدريب والعزف، أما باقي وقتي فهو مخصص بمعظمه للدراسة، وأقضي أوقات أخرى في متابعة التلفزيون وخاصة المباريات الرياضية، والبرامج الوثائقية المتعلّقة بكشف جواهر الطبيعة، إضافة إلى الوقت المستقطع أسبوعياً لزيارة الأصدقاء والأقارب، ويبقى طموحي أن أصبح عازفاً بارعاً على المستوى الدولي، إلى جانب طموحي في أن أغدو طبيباً أعالج هموم الناس وأمراضهم، وهذا كلّه يتطلب مني أن أملأ وقتي كلّه للمثابرة».
الأستاذ "علي دريعي" والد "آلان" قال فيما يخصّ كيفية اكتشاف موهبة ابنه: «عندما كان صغيراً كانت له حركات أوحت لي بموهبته التي كانت تنتظر منا الاهتمام، فباب المنزل وأدوات المطبخ وطاولة الدراسة كلّها أصبحت أدوات موسيقية يتدرب عليها الإيقاع الموسيقي، فقمت بجلب آلة "الطنبور" العائدة لخاله وعمره لم يتجاوز حينها 8 أعوام، ومن ثم أرسلته للتدرب على عزف "البغلمة" عند الأستاذ "محمد فرحة"، وبما أنه من عائلة لها اهتماماتها الفنيّة واجه بدايةً إصرارنا على متابعة التدريب، ومع مضي الوقت أصبح هو لا يستطيع ترك موهبته، إضافة إلى الاهتمام الخاص التي يلاقيها من مدير مدرسته الأستاذ "عيسى ابراهيم"، ومع المشاركات التي شارك فيها امتلك شخصية أقوى وثقة أكبر، فازداد إصراره على مواصلة التدريب إلى اليوم ومنذ 4 أعوام».
وعن المستقبل وما يخططون له بالنسبة لموهبته اختتم "أبو آلان" حديثه بالقول: «طبعاً حسب إمكاناتي، أرغب حقيقة في متابعة دوراته الموسيقية، ليغدو عازفاً عالمياً، فعندما أرى ابني يقوم بعمل حُرِمنا من القيام به، بالطبع لن أبخل في دعمه بكافة السبل، خصوصاً بعد ما شاهدته من الناس وإعجابهم بموهبته، وبالتأكيد هذا الطموح ليس على حساب اجتهاده في المدرسة».
الأستاذ "محمد فرحة" مدرّب "آلان" الموسيقي قال: «يمتلك "آلان" حسّاً موسيقياً مرهفاً، يؤهله ليكون في المستقبل عازفاً بارعاً ومتميّزاً على مستوى العالم، وهو مواظب تماماً على التدريب، وله شغف على تعلّم المزيد وعدم الوقوف عند حدٍّ معيّن، وقد تجاوز مراحل مهمّة في التدرّب على العزف، من سرعة الريشة إلى المقامات، ويتجه الآن إلى إتقان التدوين الموسيقي، إضافة إلى إبداعه فهو إنسان هادئ لا يتحدّث إلا في الأمور التي تعنيه، ويحترمه جميع من يجلسون معه وللوهلة الأولى».