احتفلت معظم المحافظات "السورية" بالقضاء على الأمية في ربوعها، هذا الإنجاز يعزى إلى عدة أسباب لعل أهمها، محاربة الأمية من جذورها، عبر مجموعة من القوانيين كقانون "إلزامية التعليم"، الذي ينص على أن مرحلة التعليم الأساسي في سورية هي إلزامية ومجانية(*)، هذا القانون الذي تطور عبر مراحل بشكل يتوافق ومعدلات "الأمية" في سورية.

"قانون إلزامية التعليم" رفع في عام /2002/ الحد الدراسي الإلزامي، من الصف "السادس الابتدائي"، إلى الصف "الثالث الإعدادي"، نظراً لتدني نسبة الأمية في "سورية" وارتفاع مستوى التعليم، ولكن رغم هذا نجد أن بعض الحالات تشذ عن القاعدة، لنرصد عدد من حالات "التسرب المدرسي" تعزى إلى عدد من الأسباب المتعلقة بأصحابها كالظروف العائلية المحيطة بالمتسربين، وحالات الجهل وقلة الوعي، بالإضافة لتأثر بعض الطلاب بالتنقل المتكرر في المسكن.

بقيت خلال الفترة الماضية أحلم بالعودة وإتمام دراستي والحصول على درجات علمية عالية، وأشعر أن المدرسة هي مكاني الحقيقي، وأعزم على الاستمرار بالدوام رغم المصاعب

فالطفل "خلدون سالم"- /13/ عاماً- ترك المدرسة بمباركة من عائلته، واتجه إلى العمل، حيث يعمل متسولاً مع أخته التي تكبره بثلاث سنوات، ولا يفكر أبداً بالعودة إلى المدرسة، التي يعتبرها سجناً كبيراً ومكاناً لا فائدة منه، لكن شعور "خلدون" لا يطبق على جميع الطلاب المتسربين، فنجد أن بعض الأطفال تسربوا من "المدرسة" بفعل إحدى الظروف المحيطة ولكن طموح الطفل أولاً، والجهود التي تقوم بها الجهات الأهلية والرسمية تساهم بعودة هؤلاء إلى مكانهم الطبيعي على مقاعد الدراسة.

الطفل "فادي قصيباتي"

موقع "eSyria" التقى "فادي قصيباتي" /14/ عاماً، الذي عاد إلى مدرسته بعد تسربٍ منها استمر لمدة عامين، "ففادي" تغيب عن المدرسة تحت ضغط والدته التي لا تأمن بأهمية العلم، ولكنه استطاع أن يعود ويجلس إلى جانب أصدقائه، "فادي" تحدث عن عودته إلى المدرسة بقوله: «بقيت خلال الفترة الماضية أحلم بالعودة وإتمام دراستي والحصول على درجات علمية عالية، وأشعر أن المدرسة هي مكاني الحقيقي، وأعزم على الاستمرار بالدوام رغم المصاعب».

"فادي" الشقيق الأكبر لأخوته الثلاثة، وقد توفي والده وهو صغير، لذا طلبت منه والدته العمل في "ورشة نجارة"، قريبة من بيته، واستمر هذا الحال لمدة عامين، قبل أن تعثر عليه "إدارة المدرسة" وتعيده إلى صفوف المدرسة، وتضعه في "الصف السادس"، والجهد الكبير المبذول في العثور عليه وعودته إلى المدرسة يعزى، إلى "قسم التعليم الإلزامي" في وزارة التربية، وتعاون الحثيث الذي جرى بين "لجنة الحي" وإدارة المدرسة.

مدرسة "الدخانية" المختلطة

أما مدرسي "فادي" في المدرسة، فقد رحبوا بعودته ويحاولون مساعدته للانسجام مع بقية الطلاب في الصف، الآنسة "باسمة مدينة" عبرت عن فرحتها بالوعي الذي يتمتع به، وأشارت إلى الجهد الذي تقوم به لرفع مستواه التعليمي، خاصة بعد انقطاعه لعامين وهي مدة يصعب على الطفل أن يعود بعدها لمقاعد الدراسة، وتضيف:

«حظي "فادي" على بعض المساعدات من المدرسة، كتلك التي تحظى عليه كل الفئات المحتاجة، ووزع عليه وعلى إخوته بنطال وصدرية مدرسية وحذاء مجاناً، من دعم الوزارة وتبرعات الجمعيات الخيرية المرتبطة بها، ونأمل أن تفلح جهودنا والمساعدات التي نقدمها بإقناع والدته بضرورة بقاء "فادي" على مقاعد الدراسة».

المختار "وليد حسن شلهوب"

الاستاذ "عبد السلام سلامة" مدير "التخطيط والإحصاء" في وزارة التربية، أشار في تصريح له إلى أن "وزارة التربية" تتجه نحو معالجة ظاهرة التسرب بمعالجة المستوى المعيشي للأسرة وتحسين مستواها الاقتصادي، وأضاف" «وذلك بمنح كل عائلة مساعدة مالية بعد التنسيق مع هيئة "تخطيط الدولة" و"وزارة المالية".

موقع "eSyria" التقى الآنسة "أمل الشريطي" مديرة مدرسة "الشهيد باسل الأسد" للتعليم الابتدائي؛ الواقعة في حي "الدخانية" التابع لبلدية جرمانا، تحدث خلال لقاءنا معها عن الإجراءات الإدارية التي تنفذ بحق المتسربين، الذين يصلون سنوياً إلى /40/ طالبا في المنطقة التابعة للمدرسة إدارياً، فبدأت بقولها: «في الخامس والعشرين من كل شهر، يكلّف المدير برفع تقرير إلى قسم "التعليم الإلزامي" في "وزارة التربية"، هذا التقرير يتضمن بلاغاً عن حضور التلاميذ أو انقطاعهم، ويتم إعداد "التقرير" بعد التنسيق مع المعلمين للإبلاغ عن الغيابات، وبعد طلب مساعدة من "لجنة الحي" في حل المشكلة داخلياً؛ وقد نستعين أحيانا "بالمرشد الاجتماعي" الموجود في المدرسة، ونرسله إلى الأهل، للاطلاع على سبب المشكلة والمساعدة في حلها إن أمكن».

وتضيف "الشريطي": « في حال استمرار غياب المتسربين عن المدرسة، يقوم "قسم التعليم الإلزامي" في الوزارة – الذي يرسل مفتشيه بشكل دوري إلى المدارس-؛ بإرسال أسماء هؤلاء الطلاب إلى قسم شرطة المنطقة، لإبلاغهم بالمخالفة وإزالتها قبل رفع المشكلة إلى القضاء، وهنا نجد أن بعض العائلات ترتدع وتبعث بأبناها المتسربين عن المدرسة، والبعض الآخر لا يهتم.

والحقيقة أن أحد المشكلات التي تواجهنا أن بعض العائلات تسكن في منطقة معينة وبعد فترة تغير مسكنها- خاصة عندما يكون الأب ذا عمل ومسكن متغيرين-، فتجد أن أطفال هذه العائلة يلتزمون بمدرسة معينة وعندما يتغير عنوان السكن يكون من الصعب علينا، العثور عليهم وإعادتهم إلى المدرسة».

أما عن العقوبات فقد أشارت الآنسة "أمل الشريطي" أن عقوبة "عرقلة دوام الطفل في المدرسة" تتمثل بغرامة تبدأ بمبلغ /500/ ل.س وقد يصل إلى /25/ ألف ل.س وسجن لمدة شهر لولي الأمر.

وللوقوف على مهمة "لجنة الحي لشؤون التسرب" في معالجة مشكلة "التسرب الدراسي"، موقع "eSyria" التقى السيد "وليد حسن شهلوب" مختار "حي الدخانية ومنطقة كشكول"، والذي بدأ بقوله: «تتكون هذه اللجنة عادةً من المختار، ومن معلمة من المدرسة، وطبيب، وعدد من أعيان المنطقة، وتكون على تواصل مباشر مع المدارس الموجودة ومع مدرائها، ووظيفة الأساسية لهذه اللجنة تتمثل بإعادة الأطفال إلى مدارسهم، والتواصل المباشر مع ذويهم وتبليغهم بأي إنذار إداري، وإقناعهم بحق الأطفال بإتمام تعليمهم، ومحاولة معالجة أسباب "التسرب" قبل وصولها إلى القضاء».

يذكر أن مصطلح "التسرب المدرسي"، يعني ترك التلميذ للمدرسة قبل إتمام المرحلة الدراسية الملزم بها، وهي ظاهرة تحاربها الأنظمة التربوية في العالم، وتشير "وزارة التربية" في دراسة إحصائية لها أن نسبة المتسربين في سورية بشكل إجمالي هي حوالي 2.7%، وتسعى الوزارة إلى خفض هذه النسبة إلى 1% في السنوات القليلة القادمة.

المراجع:

(*): قانون التعليم الأساسي رقم /32/ الصادر عام /2002/ مـ.