تذكر الدراسات التاريخية بأنّ "إدلب" كانت عبارة عن بلدتين "إدلب الكبرى" و"إدلب الصغرى"، والصغرى هي مدينة "إدلب" الحالية، أما الكبرى، فكانت تقع شمال المدينة الحالية بحوالي واحد كم، على طريق "معرتمصرين"، وقد تلاشت أثارها تماماً وتحوّلت إلى مقبرة.

ولكن ما هو الأصل التاريخي لنشوء وتكوين مدينة "إدلب" الحالية؟ حملنّا هذا التساؤل المهم إلى مؤرخ محافظة "إدلب" الباحث "فايز قوصرة" الذي حدّثنا عن هذا الموضوع بالقول: «إنّ حال مدينة "إدلب" كحال الكثير من البلدان والقرى التي نشأت حول المعبد الديني، فقرية "لوبان"، وهي التسمية الإبلائية لـ"إدلب"، تكوّنت في حدود منتصف الألف الثالث قبل الميلاد حول معبد "نيداكول" الإبلائي، وهذا المعبد كان يقوم في موقع جامع "العمري" الذي تمّ هدمه في عام 1988، وتذكر نصوص "إبلا" بأنّ ملك "كيش" وبعد زواجه من أخت ملك "إبلا" المعروف "إيبريوم"، أرسل أخته "زانيب دولوم"، لتصبح كاهنة في هذا المعبد، وهذا يبرز أهمية هذا المعبد في هذه المنطقة تاريخياً، وفي منتصف القرن السادس الميلادي، تحوّل المعبد الوثني إلى دير سرياني حمل اسم "دير دْلبين"، وحول هذا الدير تكونت القرية في حي "الصليبة" الذي لا يزال يعرف بهذا الاسم حتى اليوم في هذه المدينة، وثبت اسم هذا الدير عند العرب المسلمين باسم "دير لِبْ"، تحريفا للاسم السرياني القديم،وفي فترة الفتوحات الإسلامية، لم يذكر عن واقع هذا الدير، أوهذه القرية شيئاً، فأبناؤها أيدوا العرب المسلمين لتخليصهم من جور بيزنطة، واضطهادها المذهبي لهم، ونتيجة الضغوط الكبيرة التي تعّرضت لها الكنيسة السريانية المنوفيزية من قبل الفرنجة لكي تتبع كنيستهم اللاتينية، هاجر الكثير منهم إلى "مصر" و"العراق" و"لبنان"، حيث أنّ هناك الكنيسة الأقرب إلى مذهبهم، وأمّا من بقي منهم فقد أسلم بعد خروج "الفرنجة"، وفي العهد المملوكي انتهت حياة هذا الدير، وتحوّلت كنيسته إلى مسجد دعي بـ"العمري"، وهذا الاسم كان شائعاً في تلك العهود، فلغتنا الشعبية المحكية فيها العديد من الكلمات السريانية، حيث كان "السريان" يسمون الدير بـ"العُمر"، ومع الزمن تحوّل موقع الجامع إلى قرية تدعى "ادليب الصغرى" بالياء، وأحيانا "اذليب الصغرى"، ويذكر الشيخ "عبد الرحمن ربوع" ابن "إدلب" في مذكراته، بأنّ بناء "إدلب الصغرى" قد تمّ في عام 1512 م»

ويمكننا أن نلخّص نشوء مدينة "إدلب" بالمراحل التالية: معبد وثني، ثم دير سرياني، فجامع في قرية "دير ليب"، وفي النصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادي أصبحت تسمى قرية "إدليب الصغرى"، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، انتهت "إدلب الكبرى" الشمالية، بعد أن هاجر سكانها إلى "إدلب الصغرى" الحالية، ومنذ حوالي مائة وخمسين عاماً اقتصرت التسمية رسمياً على "إدلب"

ويختم المؤرخ "قوصرة" حديثه عن تاريخ نشوء مدينة "إدلب" بالقول: «ويمكننا أن نلخّص نشوء مدينة "إدلب" بالمراحل التالية: معبد وثني، ثم دير سرياني، فجامع في قرية "دير ليب"، وفي النصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادي أصبحت تسمى قرية "إدليب الصغرى"، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، انتهت "إدلب الكبرى" الشمالية، بعد أن هاجر سكانها إلى "إدلب الصغرى" الحالية، ومنذ حوالي مائة وخمسين عاماً اقتصرت التسمية رسمياً على "إدلب"».

الباحث والمؤرخ فايز قوصرة
صورة نادرة لساحة البازار في مدينة إدلب تعود لعام 1927 من أرشيف الباحث قوصرة
شارع الجلاء في إدلب عام 2010