عشق الرسم بالفحم لأنه وجد فيها ملاذاً وسكينة تمد أحاسيسه الداخلية بهدوء البياض وجلال السواد، فأدمن رائحته كإدمانه رائحة الخشب المكوي بالنار، والتي هي تقنيته الخاصة لتخلد شخصيات رسوماته، "أيهم جفول" عاشق البياض والسواد والنار والخشب.
موقع eHama زار الفنان في منزله وأجرى معه حديثاً مطولاً.
عندما أقف في دائرتي الفرح والحزن، ولاسيما الدوائر المتعلقة بالشريك التي تستطيع أن تثير كل هواجسي الداخلية
والبداية عن طفولته التي عشقت قلم الرصاص، وها هو يقول: «منذ طفولتي وأنا أعشق الرسم بالرصاص، وبالأخص الصور الشخصية التي تأسر إحساسي الداخلي كما تفعل الطبيعة بالرومانسي، لا أدري لماذا؟ ربما لأن الوجوه حاملة الأسرار والأفراح والخطايا وقارئة الأنفس والخفايا البشرية، فبداياتي كانت مع الوجوه، وجوه أقاربي وجيراني من خالاتي وعماتي وإخوتي، الذين أعتبرهم مشجعين لي بشحذ الهمة، فبدل أن أستخدم قلم الرصاص لكتابة وظائفي كنت أخط به ذهاباً وإياباً على جدران منزلنا التي صنعت منه مسرحاً شعبياً يضج بوجوه الجيران والأقارب».
ولأن الطفل ما زال يعبث باشياء تصنع منه فناناً يلج الأسطح الخشبية ليجعل منها لوحات ذات معنى، ويتابع الفنان "أيهم" قائلاً: «في ذلك الوقت من سني عمري لم أكن أعلم بوجود أدوات خاصة بالرسم، لكن من خلال أصدقاء عائلتنا المهتمين بالفن تعرفت على بعض أدوات الرسم الحقيقية، وبدأت الرسم بقلم "الفحم" الذي استغربته في بادئ الأمر، لكنني ما لبثت أن عشقته لحنوه بين أصابعي ولقدرته السحرية في إبراز الجمال الحقيقي لشخصياتي التي أرسمها، وهكذا من خلال نقد هذا الوسط الفني المحيط بدأت أطور تقنياتي ومهاراتي شيئاً فشيئاً».
وعن شخصياته التي أحبها، كما أحبته هي، يقول: «ربما يستغرب البعض عشقي لرسم الشخصيات لكني أجد فيها كياني، فالمهم بالنسبة لي أن أمنح الشخصية حقها ليس كما أراها بصرياً وإنما كما أحسها هي، بوجودها، بنفسيتها، وانفعالاتها، فأعتقد أن الفنان الحقيقي لا يرسم بالعيون، بل بالإحساس، وهذا ما أعتبره الخط الفاصل بين الإبداع، والمهنة، لهذا السبب لم تستهويني المناظر الطبيعية رغم غناها بعناصر العين الجمالية».
ولأن لقلم الفحم سر خاص به، أراد أن يرد له الجميل بقوله: «ما يميز الرسم بالفحم، عن الألوان الزيتية، وكذلك المائية، ليس ذاك السواد الوقور، بل هو رونق الصورة التي تبرز من خلال عناق الخطوط البيضاء مع السوداء، لتعطي انطباعاً بأن الصورة أشبه بالحقيقية، أو كأن عين الكاميرا قد اصطادتها بالأبيض والأسود، ومن خلال هذا الرونق الخاص تستطيع أن تبالغ التعبير عن مكامن وجوهر الجسد البشري. فكما الحب والتضحية متلازمان، فإن خطي الأبيض والأسود متلازمان، فالأبيض يغريك أكثر من أي لون آخر، بينما يثبت الأسود ناظريك».
ويسترسل قائلاً: «كما أن الرسم بالفحم يظهر ظلال الشخصيات بشكل أعمق وأدق من الألوان الزيتية أو المائية، وحتى اللقطات الفوتوغرافية، وهذه الظلال يمكن اعتبارها حامل العوامل النفسية والخفايا في الروح البشرية من حب وكره وغضب، واللامبالاة، والعشق والآسى وبالتأكيد لا ننسى ما يفعله بالأنوثة».
لهذا فإن تعلقه بالأنثى نابع من كونه يعتبرها محركاً لإلهامه، فهي بالنسبة له تمثل "الخلق"، وفيها يقول: «منذ بداياتي أركز بالقدر الأكبر في رسوماتي على الأنوثة والطفولة لكونها محركا الإلهام عند كل فنان وهما يؤثران بشكل جنوني، فالأنثى تعني لي "الخلق" أما الطفولة فترمز إلى "تكرار الحياة"، ويمكن أن نجد فيهما أكثر من نصف الأفكار التي تجول في خاطر كل منا، لأنهما يعبران عن كم هائل من القضايا، كالجمال، والفقر، والعار، والشوق، والحب، والبراءة، والعار، وهذه القضايا تعتبر من أهم القضايا في حياة مجتمعاتنا الشرقية، ورغم أني أرسم "المرأة" كما أراها بدلالات نفسية الإ أني أتعرض لنقد كبير في رسوماتي من ناحية تناول المرأة في بعض حالات الإثارة، وهذا نتيجة قراءة البعض للوحاتي بشكل تجريدي دون فهم الدلالات التي يحملها جسد الأنثى».
وعند سؤاله عن الأوقات التي يرسم فيها أجاب قائلاً: «عندما أقف في دائرتي الفرح والحزن، ولاسيما الدوائر المتعلقة بالشريك التي تستطيع أن تثير كل هواجسي الداخلية».
وعن تجربة الرسم باستخدام تقنية الحرق على الخشب يقول: «كما هو معلوم يستخدم الحرق للكتابة على الخشب وليس للرسم، لكن هذه الفكرة خطرت في بالي أيام خدمتي الإلزامية عندما امتهنت حرفة صنع "الميداليات" من أحد زملائي لإعالة نفسي، ومنذ ذلك الوقت بدأت بحرق الخشب لرسم الشخصيات، فرغم جماليته وقدرته على تخليد الشخصيات لفترات زمنية طويلة إلا أنه يحتاج إلى صبر كبير، ودقة متناهية أكثر من أي نوع من أنواع الرسم».
وعن كيفية صنع اللوحات بالحرق على الخشب يشرح: «أولاً أرسم الشخصية بقلم الرصاص على لوح من خشب "الزان" القاسي، كما لو أني أرسمها على ورقة بيضاء، ثم استخدام "الكاوي" الخاص لحرق الخطوط الرئيسية للصورة، وهنا لابد من المحافظة على سرعة ثابتة أثناء الحرق، من أجل المحافظة على ثبات اللون، وبعد الانتهاء من الخطوط الرئيسية أنتقل إلى المرحلة الأخيرة وهي "حرق الظلال" وهذه المرحلة تستغرق وقتاً طويلاً، قد تستغرق أشهراً من العمل لأنها تعتمد على الدقة والخطأ هنا من الصعب تصحيحه».
وعن مشاركاته في المعارض ختم قائلاً: «شاركت في عدة معارض عبر لوحات رسمتها بقلم الفحم فقط، وحالياً أعمل على تحضير المعرض الأول للرسم بتقنية الحرق على الخشب في صالة ثقافي "مصياف" مع بداية العام القادم، وقد أنجزت لهذه المناسبة خمسة وعشرين لوحة محروقة على الخشب».