العذول واللائم والعريضي والنمام، مترادفات يستخدمها الرقيون كغيرهم من سكان وادي "الفرات" وكما هي بالعربية الفصحى بمعنى واحد. وهي مفردات يخص بها ذلك الذي يشغل المحبين، ويتدخل بأخبارهم، يضيف إليها وينقص منها، باحثاً عن سبيلٍ لهدم أواصر المحبة بينهم، ويكون دافعه في ذلك يعود لحبه لأحد الطرفين دون أن يبادله ذلك. لكنّ هذا لا يحتم أن تكون له مصلحة في ذلك.
إذ تميل هذه المفردة إلى الصفة التي تلازم موصوفها، فتجده يهتم بها دون دافع، ويذكر أن أحد المترجمين العرب كان يترجم نصاً من العربية إلى الفرنسية بمشاركة أحد المترجمين الفرنسيين، وعندما نقل العربي إلى الفرنسي مفردة العذول استغربها، ولم يفهم معناها إذ لا مرادف لها بالفرنسية.
فسأل الفرنسي أهو أخوها أم أبوها أم قريبها:
فقال له العربي: لا هذا ولا ذاك
فقال الفرنسي باستغراب ما هو إذاً؟
شغل "العذول" الشاعر الفراتي وأتعبه، فها هو ذا يشكو أنينه الذي زاد على أنين "الخنساء"، الشاعرة العربية المعروفة في لون "الأبوذية"، ويتمنى أن يكون بيته بدون "عتبة". ويخبرنا بأنه لا يعتب على حبيبه، بل يعتب على ذلك الزمن الذي غدر به.
ربع وني الخنسا ما لعت به/ وعسى بيت العريضي ماله عتبه
أنا ويّ وليفي مالـي عتبـه/ عتابي ويه الزمان الخان بيّه
أما في لون "الموليّا"، فإننا لم نجد أثراً للعذول فيه حيث اعتمد شاعر "الموليّا" رأي شاعر لون "النايل" الذي يقول: إن رجليه تأخذه عنوة إلى الحبيب، ولا يخشى لومه لائم أو عذول:
غصبن علينا مشت للزين رجلينا/ نعطي العريضي قفا لمن يحاجينا
وعلى نقيض ذلك الذي أولى العذول اهتماماً، وشكل لديه هاجساً، وأصبح يتراءى له في كل شيء، حتى أنه يدخل بين اللحاء والقشر. ويرصد حركاته ويسجلها في أوراق خاصة.
بين العصا والقشر خش العريضي وفات/ بيدو دواية وقلم يكمش علي زلات
أما شاعر "السويحلي"، فإنه يناقض ذلك إذ أنه يرى في العذول خيراً لم يكتشفه أحد قط، فهو دائماً يهذي باسم الحبيب، وهي ترغب بسماع ذلك، وإن كان ذماً فلذلك أرسلت إليه تطلب لقاءه وتسمح له بالجلوس معها.
خل يقعد وياي جيبولي النمام/ بس طاري هواي ذم لو مدح مقبول
أما شاعر "اللكاحي"، فإنه يؤمن بالقضاء والقدر، وليس لديه أي اعتراض على حكم الخالق، وإن كان قاسياً عليه، لكنه يعزي ما أصابه إلى العذول، فلولاه لبقيت سماءه خالية من الغيوم:
أمر من الله مقدر مقبول لونو سايه/ لوما العريضي الخاين ظلت صحو دنيايا
هذا هو العذول بصورته التي أرعبت العشاق في جانب منها، واستغربها آخرون في جانب آخر، واستقطبنا لنتحدث عنها، والشاعر الفراتي الذي لا يرى للائم فائدة في تدخله بما لا يعنيه، فكل شيء مقدر، وكل شيء على ما يرام، فلا زالت النجوم تضيء أمام داره:
النجمة هاذي تاضي بوجه البيت/ قل للعريضي بسواد وجهه شفاد
كما هو أمام بيوت الآخرين سيما وأنه في زمننا هذا الذي يصفه البعض ببعد الحداثة، وأصبح كل منا يستطيع معرفة آخر ما يدور على الساحة العالمية من خلال سبل الاتصال الحديثة.