لم يكن ملتقى التصوير الزيتي الدولي الثاني المقام في "قلعة دمشق"، ليقف عند تقديم تجارب فنية غنية بل توسع ليطرح دراسات من أقطار عربية مختلفة عن دور المرأة في الحركة التشكيلية في الوطن العربي وذلك في لقاء شهدته "مكتبة الأسد".

موقع "eSyria" بتاريخ 26/7/2008 حضر البحث الذي قدّمه الدكتور "عبد العزيز علون" أستاذ تاريخ الفن العام وعلم المصطلح الفني، والذي حمل عنوان "مساهمات المرأة السورية في الحركة الفنية" الذي قال: «درجت الدراسات التاريخية والنقدية عن الحركة الفنية في "سورية" على تجاهل مساهمات المرأة في هذه الحركة وعدم الوقوف عند عتبات ظهورها فيها، حتى إذا ورد اسم امرأة فيها لأول مرة فإن الكتّاب يمرّون على ذلك مروراً سهلاً ويتناولون إنتاج هذه المرأة ضمن الظواهر العامة دون تعليق خاص. ونودُّ اليوم أن نفتح سجل مساهمات المرأة السورية في الحركة المحلية منذ البدايات وحتى الوقت الحاضر».

إن من يراقب الحركة الفنية في سورية في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ينتبه إلى زيادة أعداد الجنس اللطيف في صفوف الفنانين، ارتفعت إلى درجة حتى أصبح البعض يعلق ساخراً بالقول، إن هناك شيئاً من الميل لتأنيث الحركة الفنية السورية

فتش الدكتور "علون" في بحثه بكل المدن والأرياف السورية عن كل المشاهدات للمساهمات الجادة والقيمة لفنانات سوريات منذ بداية ظهور الحركة الفنية التشكيلية في سورية وعن ذلك يقول: «توصلنا في بحثنا الطويل والمضني إلى نتيجة مفادها أن المرأة السورية ظلت حبيسة التقاليد الاجتماعية، هذا الأمر الذي كتم الأنفاس وحبس المواهب حتى ظهر الاستقلال السوري عام 1946 وفسح المجال لأول مرةٍ أمام الرجل والمرأة ليتنافسا فيما بينهما في مجال الإبداع للوطن، وعندها فقط ظهرت بعض الأسماء مغلّفة بكثير من الخجل، ولم نسمع بنشاطات نسائية في مجالات الفنون الجميلة في أوساط المرأة قبل الاستقلال».

علون وشعلان

بعد أن استعرض الدكتور "علون" حوالي 50 أسماً لفنانات سوريات بالأصل أو بالانتماء، وقدّم ملخصاً عن إبداعات وإنجازات كلٍ منهنّ، قال: « السيرة المتصاعدة لدور المرأة في الحركة الفنية السورية قفزت في النصف الثاني من القرن العشرين قفزات واسعة تستحق التقدير والاعتراف بالفضل، ومن يعود إلى دليل المعرض الثاني الرسمي في سورية 1951 يلاحظ أن المجتمع الذكوري أبى على المرأة يومها أن تُبرز اسمها كفنانة فأين الحال في الوقت الحاضر من الفنانة المخبَّأة بين المعارض الفردية ذات اللوحات هائلة الحجم في الوقت الحاضر كمعارض "ليلى نصير"، "أسماء فيومي"، و"سارة شما"».

وكلل الدكتور "عبد العزيز علون" نهاية بحثه بأسماء لامعة ومعطاءة لسيدات يدرنّ مفاصل رئيسية لمسيرة الحركة التشكيلية في سورية: «إن من يراقب الحركة الفنية في سورية في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ينتبه إلى زيادة أعداد الجنس اللطيف في صفوف الفنانين، ارتفعت إلى درجة حتى أصبح البعض يعلق ساخراً بالقول، إن هناك شيئاً من الميل لتأنيث الحركة الفنية السورية».

من الحضور

يتابع "علون": «نذكر هنا في دمشق على سبيل تقديم الشواهد وليس المبالغة أن: مديرة الفنون في وزارة الثقافة هي السيدة "نبال بكفلوني"، مديرة متحف الفن الحديث بدمر السيدة "مها قواص"، صاحبة صالة أتاسي السيدة "منى أتاسي"، صاحبة صالة السيد السيدة "إلهام باكير"، صاحبة صالة الفنان فاتح المدرس السيدة "شكران الإمام"، صاحبة صالة "Occasions" هما السيدتان "رانيا عويس" و"رانيا الجابري"، مديرة صالة رفيا السيدة "رفيا قضماني"، صاحبة صالة عالبال السيدة "رواد ابراهيم"، صاحبة صالة رستم الآنسة "سارة رستم"، صاحبة صالة "تجليات" السيدتان "ميساء الشهاب"، و"رغد إسرب"، صاحبة معرض "رندة" السيدة "رندة منصور"، رئيسة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية الدكتورة "حنان قصاب حسن"، ونائب رئيس الجمهورية المسؤولة عن الشؤون الثقافية هي الدكتورة "نجاح العطار"».

كما كان لعدد من المشاركين في الملتقى عرض لدور المرأة ببلادهم وتأثيرها في الحركة التشكيلية.

تحدث الأستاذ "عبد الحق أفندي" مدير الفنون بوازة الثقافة في "المملكة المغربية" فقال: «تشكيل الفسيفساء في المغرب هو تطور لتاريخ الإنسان، الفنان، والتكوين في التشكيل المغربي وأيضا لتطور الفضاءات والأروقة، أنا أرى أن البداية الواعية في "المغرب" تعود إلى الخمسينيات مع التوجه نحو التكوين الأكاديمي الذي ظهر على يدِّ مجموعة من الفنانين تتلمذوا على يدَّ فنانين أوروبيين مقيمين في "المغرب" ومنهم كانت الفنانة "مريم مزيان" 1948، بشكل عام المرأة العربية في مرحلة ما من تطور الحركة التشكيلية تمَّ مواراة اسمها وراء اسم الرجل وتجاهل دورها بالكامل، ورغم أن المرأة المغربية كانت محظوظة في مرحلة التأسيس للحركة الفنية إلا أن عكس الظاهرة نعيشها في الوقت الحاضر».

يتابع الأستاذ "عبد الحق": «الكثير من الفنانين يعرفون من هذه الأسماء المغربية كالفنانة "شعيبية طلال" التي انتشرت أعمالها في السبعينيات؛ الفنانة العفوية الفطرية هذه بدأت برسم الحنة ثم تطورت إلى الرسم للأطفال في الساحات وهي الآن بعد وفاتها أغلى فنانة مغربية، إضافة إلى إحدى لوحاتها الصغيرة التي تمثل ثروة حقيقية في المغرب، كما اشتهرت في الستينيات الفنانة "فاطمة حسن" أشهر مصممي الأعمال اليدوية من النساء، وأكبر اسم في فن النحت في المغرب هي أيضاً فنانة، ونسبة التخرج من المدرسة العليا للفنون الجميلة في المغرب أغلبهم من النساء كما يلاحظ أن انجح الأروقة والمعارض تديرها النساء».

الفنان التشكيلي "محسن شعلان" رئيس قطاع الفنون التشكيلية في جمهورية "مصر"، كانت مشاركته بعرض عام لما يقدمه الفنان للحياة من ثروة لا تفنى بمرِّ السنين: «وجود الملتقى في أحضان "قلعة دمشق" شيء قدير ومهم جداً وما أحوجنا أن نحتمي بماضينا الجميل والعريق في ظل الأحداث المحيطة بالعالم ككل، نحن شعوب مهمة جداً على الكرة الأرضية وعلينا أن نتحلى بالثقة بأنفسنا، ونمثل رسلاً لمجتمعاتنا كي نترجم هذه المعاني، ونبرز ماضينا لأننا امتداد لهذا الماضي، فمثلاً عندنا في "مصر" الفن الفرعوني الذي يشهد بعظمته كل العالم من شيّده هو الفنان التشكيلي سواءً أكان نحاتاً أو مصوراً وحتى من قدّم العمل الخزفي وإلى الآن ما يزال يكتشف على أراضينا ماضينا الجميل المأرشف بأيدي فنانين».

يضيف "محسن شعلان": «الثقافة العربية هي ثقافة ولادة، ولا بد أن نتصدى لكل ما يحصل من انحدار في هذا الوقت الخطر حيث الفنون، الموسيقا، السينما، والمسرح وكل شيء ينحدر، لكن بالفعل توجد إحصائيات عالمية تدل على أن الفن التشكيلي في الدول العربية لم يُمس، هو من الفنون الصامدة وهناك باستمرار جيل يخرج من الفنانين الجدد لحظة بعد لحظة، وجود الفنان في هذا الكون مهم ويستدعي إلى تأمل عميق».