الرسام "أبو صبحي التيناوي"- "باب الجابية- زاوية الهنود- دمشق- سورية"، هكذا كان "أبو صبحي التيناوي" يوقع لوحاته، ليصبح هذا التوقيع- العنوان معروفاً لدى عشاق الفن في كل أصقاع العالم.

إذ استطاعت لوحات هذا الفنان الشعبي أن تصل حتى إلى "متحف اللوفر"، بما تملكه من أصالة فنية وإنسانية، وما تقوم عليه من حساسية وشفافية، فضلاً عن العفوية والتلقائية الطفولية.

"فأبو صبحي التيناوي" لم يتعلم الرسم حسب ما تقتضي قواعد وأصول هذا الفن، إنه فنان شعبي استطاع بفطرية نادرة أن يستلهم روح الشعب، وأن يقدمها بتصور طفولي بعيد عن الذهنية، والتقيد بالإملاءات العقلية.

فاللوحة عند "التيناوي" لا تتقيد بقواعد المنظور، أو قواعد التشريح، كما أنها خالية من العمق وتناسب الأبعاد، فوحده "أبو صبحي التيناوي" يتجرأ على رسم ذيل حصان في أعلى اللوحة ويكتب تحته: «هذا الذيل لهذا الحصان»، وهذه بلا شك جرأة طفل في سنواته الأولى!..

والتلوين عند "التيناوي" يكون من خلال مساحات لونية، دون ظلال، ودون تدرج في اللون، والوجوه لا تحمل انفعالات أو تعابير، والدلالات والرموز في أبسط أشكالها وصيغها، فالغني رأسه كبير، والحارس عصاه غليظة، والفيلسوف لحيته طويلة، و"أبو زيد الهلالي" بشاربين كثين ومفتولين وسيفه طويل، والأفعى لها قرون، و"عنترة" أسود راكباً حصانه الأبجر بالزي الميداني والشاربين الطويلين، و"الزير سالم" على ظهر أسد.. ألخ.

تعلم "أبو صبحي التيناوي" على يد أبيه مذ كان طفلاً في العاشرة رسم بداية على الزجاج، ثم على القماش، بألوان كان يحضرها بنفسه، وفرشاة من شعر الماعز، واستمد موضوعاته من التاريخ، والحكايا الشعبية، والتراث القصصي، والأساطير، والآثار الدينية، إضافة إلى مواضيع عصرية يستمدها من المشاهدة اليومية والخبرة الشخصية والواقع السياسي الكائن في ذلك الوقت.

وهكذا نرى في لوحاته مشاهد من سيرة "عنترة وعبلة، هارون الرشيد وزوجته زبيدة، مشاهد من سيرة الزير سالم، الملك الظاهر بيبرس، النبي ابراهيم وابنه اسماعيل وكبش الفداء، والبُراق، الخضر وفي يده المسبحة، آدم وحواء في الجنة (يا للجرأة)، النبي سليمان على عرشه وحوله الجن والشياطين".

أما الموضوع المفضل عند "أبي صبحي التيناوي" فكان: "عنترة وعبلة"، بما له من دلالات حضارية وإنسانية! "فالتيناوي"- كغيره من الناس- ينتصر لقيم الحب والفروسية مقابل مفاهيم النسب والتمييز على أساس اللون، إنه الانتصار والانحياز للقيم الإنسانية الجوهرية مقابل الشكلانيات والبرانيات.

الخط الأول في الرسم عند "التيناوي" لا يُمحى، ولا يتكرر، فالرسم هنا هو استجابة أولية ونهائية للوجدان والداخليات المترعة بالصدق والفائضة بالحساسية، إنه ارتجال دائم من دون ابتذال، ومن دون اختبار المخيلة. إنها الثقة النهائية بأن الفرشاة هي امتداد الروح، والروح لا تخطئ!.

تجربة "التيناوي" واحدة من أهم التجارب الفنية والتشكيلية العربية في القرن العشرين، ومع ذلك لم تحظَ بالاهتمام الملائم والمطلوب من قبل الدارسين العرب، فقد وصل هذا الفنان إلى قلوب محبي الفن في العالم قبل أن يصل إلى قلوب أبناء الوطن.. إلا متأخراً. لم يقم "أبو صبحي التيناوي" معارض فنية، ولم يلقَ العناية والاهتمام الإعلامي اللائق.

الدراسات الفنية حوله قليلة رغم إثارة التجربة، ولعل الفيلم التسجيلي الذي قدمه المخرج "محمد ملص".. يعد بمثابة العمل اليتيم في هذا المجال.

(15/7/2008).