بشلل في الجانب الأيسر من جسمه بدأت حكاية طفل صغير في بيت من بيوت دمشق العتيقة بباب توما وبالضبط في عام ألف وتسع مئة وستة وستين، ومع أربعة عمليات قام بها قبل سن الثامنة عشر بدأ سليمان المعصراني المشوار لتليها أربعة أخرى كانت المفصل الأساسي بين الإعاقة والحياة الطبيعية.

تخرج من الجامعة بصفة مساعد مهندس في الطبوغرافية واختص باختصاص غير مألوف وصعب هو شد الكابلات للجسور، ومع آخر عملية له في المملكة السعودية تحدد مصيره الأول ليشفى سليمان الذي عمل في شركة قاسيون وهو مقعد ليصرف على علاجه في الخارج، ومع شفاءه فقد وظيفته، ليعود ويتقدم لشركة خاصة ويقبل فيها من خلال خبرته وشهادته. حدد موعد المقابلة مع المدير وكان وجه سليمان حينها لا يزال متأثراً بمظاهر الشلل، وتلقى سؤالاً فيما إذا كان مشلولاً أم لا، فيجيب: كنت والآن تعافيت، فتقذف الأوراق بوجهه ويقال له: اذهب لا ينقصنا مشلولون هنا.

وهنا اشتاط سليمان غيظاً وتأثر حتى أنه وصل لبيته ولم يكن يدري كيف قطع مسافة 48 كم من ريف دمشق إلى باب توما، ويصف سليمان ما حدث بأنه كان في مرحلة اللاوعي.

وهنا استرجع شريط الذكريات وسأل نفسه لماذا لم يقبلوني؟ وقرر تغيير حياته واستغنى عن الهندسة التي لم يكن يدري أنها ستساعده كثيراً فيما بعد، حتى أنه مزق ماضيه مع صوره.

وبدأت تلمع برأسه فكرة أن يصنع شيئا لنفسه وللأطفال المعاقين ويراهن على أن الإعاقة ليست الجلوس والتسول بل إن المعاق إنسان عبقري يمكن الاستفادة منه.

ومع الـ(48 كم ) كانت الحكاية ليظهر شعار(لا للشلل لا للإعاقة).

وكما يروي سليمان: أنه أحب أن يسافر للسعودية مشياً على الأقدام، حيث كان يعمل ويعالج، وأحب أن يشكر من عالجوه وأخذ جواز سفره للسفارة وطرح فكرة أن يقوم بعمرة مشياً على الأقدام، ولكنهم رفضوا، ومضت الأيام حتى اليوم العالمي للصحة الذي كان شعاره(في الحركة بركة)، والتقى سليمان بملهمه الدكتور فؤاد مجلد (ممثل الصحة العالمية بسورية) الذي استقبله بمكتبه وتقبل الفكرة وقال له ألا ينظر للوراء وأعطاه دافع قوي وساعده بأن يعرفه بأشخاص رسميين في السعودية.

ويقول سليمان: كان وزني آنذاك 136 كغ، وراسلت السفارة حينها التي راسلت الرئاسة العامة للشباب السعودي، وبعد أربعة شهور جاء الرد بالموافقة، بعد أن وصل وزن المراسلة 6.250غرام، ووضعت حينها مع الدكتور فؤاد شعار الرحلة وخطتها.

وبتاريخ 10/8/2003 بدأت الرحلة بتأشيرة كتب عليها رحلة إنسانية سيراً على الأقدام، ولم أستطع هنا التراجع أو أن أخذل نفسي فحزمت حقائبي التي احتوت أشياء غريبة حينها، مع تأملات وقراءات كثيرة في رحلة ابن بطوطة مثلي الأعلى هو والرحالة السوري عدنان تيناوي الذي قرأت كل شيء عن رحلته.

عندما خرجت من سوريا لم أكن أدري شيء وكوني مهندساً ساعدني ذلك على رسم خرائطي بنفسي مع مساعدة النقاط الحدودية علماً أن الرحلة كانت على حسابي الشخصي.

وبعد عشرة أيام من المشي رأيت أن المسافة بعيدة ولا أستطيع أن أعتمر واقترب موسم الحج، وهنا بدأت الركض لأصل بموعد الحج وبعد شهرين وثمانية عشر يوماً وصلت قبل عرفة بيومين حيث اعتمدت بزادي على التمر والحليب طوال الرحلة, وهكذا بدأ يتناقص وزني حتى وصلت الآن إلى وزن 67 كغ.

وتابع سليمان شارحاً: عند وصولي إلى الحج عملت مع الرئاسة العامة للشباب لرفع شعار(حج بلا تدخين)، ونجحنا بالمهمة وأثار ذلك الصحافة، لأزور بعدها الأطفال المعاقين مع مراسلات كثيرة لجمعيات رعاية الإعاقة بالسعودية وقمت بزيارات مع أطفال معاقين لدور رعاية المسنين، وأخذت أطفال مرضى بالسرطان لزيارة أطفال معاقين وبالعكس وتبلورت هنا رسالتي أكثر لأفكر بزيارة بلدان أخرى لنفس السبب مع قبول بالرأي العام لما أفعل فدخلت الإمارات مع حصولي على تأشيرة، وقابلت الأمير سلطان الراعي العام للشباب بعد أن علم أن هدف الرحلة ليس مادي فضلاً أنه عرض علي مبلغ من المال، ولم أقبل مكافئة حتى الآن من أي دولة أو شخص، ومنحني حينها وسام شرف وكأس من الهيئة وكان أول أوسمتي التي أعتز بها.

ومن الإمارات تلقى رحالتنا دعوة إلى قطر لحضور مؤتمر عن الصم والبكم ووصل مشياً على الأقدام، ومن قطر تابع للبحرين حتى أكمل دول الخليج العربي وعند حدود الكويت واجه مشاكل في التأشيرة فلم يدخلها، فرجع للبحرين ومنها إلى عمان ثم أخذ العبّارة إلى إيران ثم أوزباكستان وكازاخستان وأفغانستان التي كانت محطة رائعة حيث وصل لكابول وزار الأطفال المصابين بالحرب وقدم لهم بعض الخدمات، وفي أذربيجان تعرض للضرب والسطو وأصيبت كليته اليسرى وعولج في إيران ونقل إلى سورية.

اعتبر سليمان أن هذه الفترة مفصلية ويمكن أن تكون نهاية لرحلته، ولكنه تابع الحلم بعد معافاته حيث تلقى دعوة من منظمة الصحة العالمية ليكرموه فسافر للأردن ومنها إلى مصر وحضر التكريم وحصل على دكتوراه فخرية إنسانية، وبعد ذلك تباحث مع السيدة نانسي باكير من جامعة الدول العربية وحاتم الدروبي القائم بأعمال المنظمة العالمية للصحة واتفقوا على تغيير شعار الرحلة من (لا لشلل الأطفال إلى لا لسرطان الأطفال)، وانطلقت بعدها الرحلة الثالثة بعد أن التقى بسوزان نجم الدين التي دعوها حينئذ وكان لها نشاطات إنسانية وأصرت على تقديم الهدايا للأطفال المصابين بالسرطان من خلال شركتها وشركة حمشو التجارية.

ومن مصر للسودان ثم دارفور التي كان جوها تعيساً وطلب من منظمة الصحة أن يوقفوا القتال فيها حتى يستطيع المرور وإكمال الرحلة، وتوقف القتال فعلاً و طلب منهم بعدها أن يوقفوا القتال دائماً ويحل السلام وخصوصاً مع وجود الأطفال المتضررين من الحرب.

من دارفور إلى ليبيا ثم تونس والجزائر ثم المغرب التي لم يستطع دخولها ووقفت الصحراء المغربية عائقاً أمامه ولكنه سار على حدودها ليصل إلى موريتانية وبدأ المشوار العكسي الذي كان حافلاً جداً ومؤسفاً جداً مع التقارير التي حملها والتي تشير لتفشي سرطان الأطفال في البلاد التي زارها.

وتوالت الدول في خط السير العكسي بالحافلة ولو مشى لاستغرقت الرحلة ثمان سنوات وليس أربعة ووصل للعقبة بعد عناء وهنا وصلت تأشيرة الكويت فسافر إليها وأدى باقي رسالته، ولكنه للأسف لم يزر العراق وفلسطين التي جرت فيها مساومات لدخولها ولكنه لم يرض الدخول إلا للقدس، ورجع للأردن حتى الحدود السورية حيث اتصل بزوجته فأخبرته أن جمعية بحلب تريده فعبر الساحل السوري وأطلقوا معاً صندوقاً باسمه لدعم أربعة أطفال مصابين بالسرطان، ليزور بعد حلب القرداحة و ضريح الخالد حافظ الأسد والتقى مع وفد من حزب الله الذي دعاه لزيارة لبنان والجنوب وتسلم هناك شهادة من حزب الله وتراب معطر بدم الشهداء من الضاحية.

ومع دمشق كانت النهاية كما البداية حنين وشوق استمر ما يزيد على الثلاث سنوات قطع فيها مسافة 28725كم بحصيلة ثماني وعشرين دولة.

وعن أوضاع البيت عند عودته أجاب سليمان: فوجئت بعد عودتي بأن زوجتي باعت البيت في سبيل أن أكمل رحلتي وضحت كثيرا لأجلي ولأجل أطفالي الثلاثة.

أما حلمه المقبل فهو رحلة أخرى لأوربية ثم الصين وبلجيكا، وهو يعد لها فعلا بالإضافة لتأسيس منظمة مع جامعة الدول العربية تحت اسم المنظمة العربية للأعمال الإنسانية وستكون ابنته أصغر عضو مشارك فيه.