بيوت عتيقة وحجارة والقليل من الوثائق التاريخية التي تروي قصة زمن غني بحكاياته في "مشتى الحلو"، والتي توزع أولادها في شتى بلدان الاغتراب، وكان لهم فضل في توثيق التاريخ الغني بالأحداث والوقائع والأسماء، ومنهم المعلم "نسيم الحلو".
مسيرة المعلم
يتحدث الكاتب "عدنان بدر حلو" ابن المشتى عن أهم المراحل التي عاشها المعلم "نسيم الحلو" بعد استلامه مذكرات الأخير المكتوبة بخط يده ثم ترتيبها وتقديمها في كتاب.
ولد "نسيم الحلو" في قرية "مشتى الحلو" عام 1868، تلقى تعليمه الأول عند المعلم "سلوم موسى"، ثم انتقل إلى "المتن" بعد تفشي وباء الكوليرا في المشتى عام 1877، في تلك الحقبة طلب وجهاء من أهالي المشتى من المرسلين الأمريكان افتتاح مدرسة لهم تكون إدارتها شبيهة بنظام مدارسهم، فأرسلوا لهم المعلم "قاسم أبا غانم" وزوجته المعلمة "شمس" ابنة واعظ الكنيسة الإنجيلية في برج صافيتا للقيام بهذه المهمة، وافتتح المعلم "أبا غانم" مدرسة للصبيان والمعلمة شمس مدرسة للبنات في "مشتى الحلو" وتحديدا في دار "سليمان الحلو" الشهيرة، ليتابع "الحلو" فيها دراسته من تعلم الحركات والقراءة المشكّلة والحساب و غير ذلك من العلوم.
يشير "حلو" إلى زيارة المستر "هاردن" إلى مدرسة المشتى عام 1885 وكان لتلك الزيارة الفضل في دخول "نسيم" مدرسة الكلية السورية الإنجيلية في بيروت (الجامعة الأمريكية) ليعود لاحقاً إلى المشتى، ويأخذه الترحال مجدداً إلى مدرسة (صيدا الأمريكانية) عام 1886 ليدرس فيها ثلاث سنوات، وهناك التقى "فارس الخوري" الذي كان طالباً فيها، لتجمعهما فيما بعد علاقة وطيدة تمثلت بإرسال "الخوري" رسالة "للحلو" بأن يحجز مكاناً لولده في المدرسة التي أصبح المعلم "نسيم" رئيساً لها فيما بعد، عاد "الحلو" إلى المشتى حاملاً معه الشهادة المدرسية التي صنع لها حافظة خاصة من التنك، وأعاد افتتاح مدرسة الأمريكان في المشتى التي كانت تضم أيضاً مدرسة لليسوعيين في "بيت سركيس" .
جوائز وتكريم
في عام 1892 وبعد اقتنائه الروزنامة العثمانية، التي احتوت بعض الأمثال والحكم، قام المعلم "نسيم" بكتابة شرح موجز لكل مثل على ورقة الرزنامة، ومن تلك الشروحات ألّف كتاباً سماه (بانات العلم في شرح الأمثال والحكم ) .
وفي عام 1894 وضع كتاباً آخر سماه (مرآة الزمان في البحث عن الإنسان )، ونال عنه جائزة إتقان سجل المدرسة من الدكتور "وليم تيلسن الأمريكاني".
ويشير "حلو" إلى افتتاح مدرسة اللاهوت الإنجيلية في "صيدا" وعمله كمدرّس فيها، ليستلم رئاستها لاحقاً ليكون أول رئيس عربي للمدرسة، وبعد أكثر من عشرين عاماً على وضعه لكتابه (رفيق التلميذ)، وضع كتاباً آخر بعنوان (الحديث المفيد) يتألف من قسمين، تناول فيهما صناعة التعليم والمعلم، وأنواع التربية المدرسية، وكان ذلك في عام 1926.
يلفت الكاتب "عدنان الحلو" إلى الثقافة الواسعة والحضور اللافت للمعلم "نسيم" الذي زار الكثير من البلدان مثل (مصر وفلسطين)، وحضر فيها خمس محاضرات للكبير "طه حسين" كما زار (اليونان وصوفيا واستانبول) وغيرها. وقام بجمع النوادر الشعرية للشعراء العرب قديماً وحديثاً في كتاب سماه (ديوان الأدب في نوادر شعراء العرب)، وتم تكريمه في مدرسة الفنون في "صيدا" تزامناً مع إنهاء خدمته، حيث أبدوا امتنانهم لجهوده من خلال رسالة وجّهت له بعد أن رفع من شأن المعهد العلمي رغم المعوقات، وأوصله إلى بر الأمان عبر تاريخ طويل بين جدرانها تجاوز 44 عاماً، وتخرج على يده العديد من الشباب الذين شغلوا مناصب رفيعة في حكومات معظم البلدان العربية في المهجر، ليكافئ ويتم منحه ميدالية الاستحقاق اللبناني الفنّية ذات السعفة، من الحكومة اللبنانية.
الحديث المفيد
"حسان عجي" من أبناء المشتى والمهتم بتوثيق تاريخ البلدة الثقافي والاجتماعي، واستذكار الأسماء اللامعة في سماء العلم والمعرفة وصولاً إلى إحياء الصناعات التقليدية ضمن المهرجانات السنوية التي تقام فيها، يصف المعلم "نسيم الحلو" بإحدى سنديانات المشتى، وذلك لدوره البارز في تطوير العلم واستحداث أساليب جديدة تطور من آلية التعليم المتوارثة التي قد لا تتناسب وتطور المجتمع، الذي يجب أن يسير مع عجلة الزمن، وبرأيه فإن الكتب التي قام المعلم "نسيم" بتأليفها هي خير دليل على ما تمتع به من معرفة، اختزلها خلال سنوات بدأت من المدارس اللاهوتية التي احتضنته طفلاً، والتي اعتمدت أساليب تختلف عن التقليدي في مجتمعاتنا، حتى أنه استطاع لاحقاً أن يقدم إضافات تربوية تم اعتمادها لاحقاً.
ويرى "عجي" أن المقارنة بين الأمس واليوم هي مقارنة خاسرة، نظراً للامتيازات التعليمية والمعايير الأخلاقية التي كانت هي السائدة والملتزمة آنذاك، وإلى ما يعانيه مجتمعنا من صعوبة في التعامل مع جيل بات جل اهتمامه السوشيال ميديا والحياة الافتراضية بمنحاها السلبي، بعيداً عن القراءة والكتاب.
ويرى أنه من المهم العودة إلى كتب المعلم "نسيم الحلو" المليئة بالملاحظات الإيجابية البنّاءة في مجال العلم والتعليم، ويخص بالذكر كتابه (الحديث المفيد) وفيه الترياق الذي يتناول مشاكل التعليم كافة، وأساليب التربية النفسية والتربوية المدرسية التي قد تحل ما يعانيه هيكلنا التربوي في هذه المرحلة العصيبة .