إلى الغرب قليلاً من مدينة "السويداء" وفي قلب منطقة اللجاة تقع قرية "حران"، تلك القرية التي تزخر بنقش حجري هو الأقدم من بين الكتابات العربية القديمة المكتشفة فيها، والذي يؤرخ لأقدم الكتابات العربية في منطقة "حوران"، الذي ما زال بمنزلة الناطق التاريخي لسكان المنطقة.

أقدم الكتابات

يقول رئيس شعبة التنقيب بدائرة آثار "السويداء" الدكتور "نشأت كيوان" لمدونة وطن eSYria: من يقرأ ما دونه قاطنو منطقة "حران" في ريف "السويداء" الغربي منذ نحو 2000 عام ، على أحد النقوش الحجرية، المعتلية مدخل كنيستها الأثرية، سيلحظ الحروف المنسوخة باللغة العربية غير المنقوطة، ومن يتمعن فيها أكثر يستطيع فك شفرتها وسيخرج بالتأكيد بمعلومة تاريخية على أنه أمام أقدم كتابة عربية في منطقة حوران، وربما تجاوزت حدود المنطقة لتكون الأقدم في بلاد الشام كلها.

ويؤكد "كيوان" أن من يقصد قرية "حران" زائراً أو باحثاً فلا بد من مشاهدة ذلك النقش الذي لا يخفي نفسه على الإطلاق، كونه مازال محتفظاً بمكانه على ساكف مدخل "كنيسة حران" الأثرية كأنه حارس الحضارة ومستودع أسرارها، وهو الذي أبى أن يسقط بأيدي العابثين، فبقي بمنزلة الكتاب التاريخي المفتوح لكل من أتى القرية مستكشفاً ومستطلعاً.

قرية حران

ويوضح "كيوان" أنه ولأهمية هذا النقش تاريخياً أثرياً تم الاحتفاظ بنسخة منه في متحف "السويداء" الوطني، وتحديداً في صالة العصر الإسلامي، والقارئ للكلمات المكتوبة بإزميل العصور الوسطى على صفحة الحجر البازلتي، سيلحظ أنه يتألف من سطرين الأول باللغة اليونانية القديمة، بينما خطت حروف وكلمات السطر الثاني باللغة العربية المشابهة إلى حد كبير للكتابات العربية التي عثر عليها على بعض المسكوكات الأموية في مراحلها الأولى، والكتابات الموجودة في مسجد قبة الصخرة في "القدس" والمؤرخة بعام 691 ميلادي، بينما نقش "حران" يؤرخ لعام 563 بصراوي والذي يقابله 568 ميلادي، بإضافة 105 سنوات على التقويم البصراوي نسبة لمدينة "بصرى" التي أصبحت عاصمة الولاية العربية الرومانية عام 106 ميلادي.

التاريخ بين يديك

بصمة عربية قديمة دونها أجدادنا العرب على ذلك اللوح الحجري الذي لم تستطع أن تنال منه يد الإنسان أو حتى العوامل الطبيعية، إذ تقول رئيسة شعبة المعمل الفني بدائرة آثار" السويداء" الأثرية "ربيعة أبو بكر" أنه بعد أن تم فك طلاسم الحروف المنسوخة على ذلك الحجر، المؤرشف في أرشيف اللجاة من البعثات الأثرية التي زارت المنطقة حينها، من خلال الجملة التي تقول (أنا شراحيل بن ظالمو بنيت هذا المرطول أو "القبة" عام 463 ميلادي، و"المرطول" معناها مقام الشهيد، بعد مفسد خيبر، والمقصود بعد الحملة العسكرية التي قام بها أحد أمراء بني غسان لخيبر).

الكتابة التي على النقش

وتضيف "أبو بكر": " تكمن الأهمية التاريخية لهذا النقش بأنه أرخ لأقدم الكتابات العربية القديمة غير المنقطة، بينما تدل الأحرف التي خطها من جاء المنطقة مقيماً وليس عابر سبيل، على التآخي الذي كان سائداً في تلك الحقبة الزمنية بين السريانية الآرامية والعربية النبطية، فالنقش يعد أقدم نص كٌتب بالعربية بعد النبطية في هذه المنطقة، ولعل ما يميزه أن من سطر حروفه بدأه بالضمير المتكلم أنا، حيث جاء مشابهاً للنصوص الآرامية التي عادة تبدأ جملتها بالضمير المتكلم أنا".

وتتابع أبو بكر" بالقول: اسم "شراحيل" مقسم إلى "شرح ايل" ومن خلال التحليل التاريخي والأثري لتلك الأحرف اتضح أنه كان شيخاً لعشيرة ما في منطقة اللجاة أو أنه كان أحد وجهاء المنطقة، والمتعمق في بحر التاريخ سيحصل على نتيجة مفادها أنه كان لمنطقة اللجاة إدارة خاصة، ومن المرجح أن مركز الإدارة هو قرية "حران"، أضف إلى ذلك فالمتصفح لأرشيف قرية "حران" الأثري سيكتشف أن خزانتها التاريخية تختزن بداخلها العديد من المعالم الأثرية المهمة ولاسيما بئرها الرومانية التي يبهرك جمالها من الداخل، وغيرها من الآوابد الأثرية الأخرى التي ما زالت قائمة لتاريخه".

ربيعة أبو بكر