مساء الأحد الخامس من شهر شباط لعام ألفين وثلاث وعشرون، بات أبناء مدينة "حلب" في منازلهم وسط الأجواء الباردة والماطرة على أمل الاستيقاظ بصباح يكون فيه الحال أفضل. ولم يكن يدور في بال أحدهم أن الصبح لن ينجلي بخير، وأن الرعب والموت قادم إليهم عبر زلزال مدمر ليسرق منهم الجزء المتبقي لهم من سعادتهم المتمثلة بلمة العائلة في البيت

الزلزال المدمر

صباح الاثنين وعند الساعة الرابعة وسبعة عشر دقيقة فجرا" دق ناقوس الخطر، وبلحظة غفلة وقي برق البصر اهتزت البيوت وانهار بعضها فوق رؤوس أصحابها وهم نيام في فراشهم وصح بعضهم على كابوس لا يرحم اهتزت له القلوب وتعلثمت به الألسن وتقصفت به الأرجل وشخصت له الأبصار وضاق معه الحال فمنهم من فقد أحبة ومنهم من ترك بيته هاربا من الموت تاركا خلفه كل شيء وبحسب بعض الأهالي هناك من لم يستطع الهروب وبقي تحت الأنقاض مجهول المصير فقد كان المشهد مرعبا بما خلفه الزلزال المدمر من أضرار شمل الحجر والبشر وما زاد في مصاب الجميع سوء الأحوال الجوية التي أربكت حساباتهم وفي لحظات ودون موعد امتلأت الساحات والشوارع والجوامع والمدارس والحدائق بالناس الهاربة من الجحيم وسط حالة من الحزن والصدمة والذهول

الزلزال الأخير الذي وقع كان مصدره من جنوب "تركيا" وتحديداً من مدينتي "عينتاب ومرعش" وامتد للداخل السوري واحدث دماراً هائلاً وفي مدينة" حلب" تسبب الزلزال بخراب كامل لأكثر من ستين بناء سكني في أحياء "صلاح الدين والمشارقة والحلوانية وشارع بارون والعرقوب والصالحين والمشهد والعامرية" وتصدع أبنية أخرى لم تعد صالحة للسكن فيها كما تضرر 71 بناء مدرسي

صور حية وقد احتمى الفارين من هول الزلزال بالمقابر واستاد الحمدانية وفي الطرقات وسط البرد القارص.

ويذكر المؤرخون أن مدينة "حلب" تعرضت في عام ألف ومائة وثمان وثلاثون إلى الزلزال الأعنف الذي دمر المدينة وأدى إلى مصرع مائتان وثلاثون ألف شخص، واعتبر رابع أكبر زلزال في العالم من حيث قوته وحجم الدمار الذي نتج عنه.

"eSyria موقع مدونة وطن" الذي كان شاهد عيان وعايش كابوس الرعب منذ بدايته لحظة بلحظة استطلع أراء بعض الناجين وكيف عايشوا هذه اللحظات المريرة.

استاد الحمدانية

وعن هذا المركز تحدث للمدونة مدير الملاعب الرياضية الكابتن" سعد قرقناوي" فقال: تلقيت صباح يوم الأثنين اتصالاً من قيادة الاتحاد الرياضي بـ مدينة "حلب" بضرورة فتح ملاعبنا لاستقبال جميع المنكوبين، فاستنفرنا جميعاً وفتحت منشآت المدينة الرياضية أبوابها وصالتها وغرفها للإيواء، ووصلنا في اليوم الأول أكثر من ألفين نسمة هربوا من أحياء "صلاح الدين والمشهد والعامرية والحمدانية والاعظمية" ورغم أن تجهيزاتنا كانت بدائية لكننا سعينا بالتعاون مع عدة منظمات أهلية وحكومية بتأمين البطانيات والماء والخبز ووجبات الطعام على أمل تحسن الوضع أفضل خلال الفترات القادمة.

الاحتماء بالمقابر

ولعل أكثر صورة ايلاماً وحزناً كانت هروب البعض نحو المقابر للاحتماء بها من هول الكارثة.

اقتربنا من عائلة وقد نصبت خيمتها فوق مقابر الأموات حيث وصف لنا رب الأسرة" محمد حاج حمود" أربعون عاماً بالقول:أقطن بحي صلاح الدين في الطابق السادس في منزل وبناء متواضع, وصباح يوم الاثنين وفي تمام الساعة الرابعة وسبعة عشر دقيقة احسست بشيء غير طبيعي وأنا نائم في فراشي وارتميت أرضاً ونهضت ووقعت ثم نهضت ثانية على هول الهزة العنيفة واستيقظ معي كل أفراد أسرتي، وأدركت وقوع الزلزال، وأول شيء فكرت به هو محاولة النجاة بأرواحنا، ولم نسأل على شيء غير ذلك. وشاهدت كذلك جيراني وهم بذات الحال ويصرخون من الرعب والخوف، ومجرد وصولنا للشارع العام شاهدت مئات الناس وقد تركض بالشوارع للهروب من تحت الأسقف والابنية المتهالكة. كل ذلك والأمطار الغزيرة فوق رؤوسنا مع البرد القارص. هربت إلى المقبرة المقابلة لأتوستراد الحمدانية ونصبت فيها الخيمة مستفيداً من ارتفاع شواهد القبور للاحتماء من آثار ذلك الزلزال اللعين.

وتابعنا جولتنا في مساء يوم الاربعاء في أتوستراد الحمدانية وشاهدنا فرق الاغاثة وهي توزع وجبات الطعام وبعض الاموال النقدية واغطية النوم وملابس القطنية للأطفال والكبار

افتراش الشوارع

"بدر زينة" خمسون عاماً من أهالي "حي السكري" فر بعائلته ووالده الرجل الكبير بالعمر قال لنا والدموع تملأ عينيه : وكأنه لم يكن ينقصنا سوى هذا الزلزال اللعين، إلا يكفي أننا تشردنا عشر سنوات ذقنا فيهم كل أنواع العذاب والحرمان والشقاء والضياع، وتابع حديثه: يصعب علي وصف ما جرى وكأنه فيلماً سينمائياً قصيرا استيقظنا فجر الأثنين على رعب لامثيل له تجمدت فيه عقولنا وحواسنا وافكارنا كيف لنا أن نفكر والموت يخيم فوق رؤوسنا هربنا بسرعة نحو الشوارع دون أي وعي منا وشاهدت وأنا امضي عدة أبنية وهي تتساقط ويضيف حالياً انا افترش العراء مع عائلتي المؤلفة عشرة أشخاص.

العامل "أحمد نايف" واحد وخمسون عاماً قال: أنا من سكان "حي صلاح الدين" وأعمل في فرع لإسكان العسكري الزراعي" شاهدت الموت بأم عيوني، صباح يوم الأثنين أيقظنا الزلزال من نومنا على تمايل البناء ونزلنا إلى الشارع بلباس نومنا ونساؤنا تصرخ واطفالنا تبكي ونحن في حالة ضياع من ننقذ ومن نترك والحمد لله نجونا بمعجزة وهربنا نحو المدينة الرياضية للاحتماء بها بعيداً عن وقوع الابنية غير الصالحة للسكن أصلاً وكما ترانا نحن في وضع صعب وهناك استحالة العودة لمنازلنا بوضعها الحالي.

الدمار في " المشارقة"

توجهنا صباح يوم الثلاثاء باتجاه "حي المشارقة" مقابل معبر بستان القصر" وقد شاهدنا وصورنا كيف أن الزلزال قد دمر بناءين متجاورين عن بكرة أبيها وحولها إلى ركام وانقاض, ونحن هناك طلبوا منا الابتعاد خشية من سقوط البناء الثالث المجاور، وقال لنا الجوار أن أكثر من عائلة قضت هنا ومحاولات البحث عن ناجين متواصلة من عناصر الدفاع المدني ومؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية وأفراد من الجيش الروسي والهلال الأحمر وكوادر المحافظة والصحة مع حضور الجرافات والروافع والآليات لازالة الأنقاض.

وكما علمنا أنه يوجد أكثر من ستين بناء مدمر بالكامل او بشكل جزئي ومئات الشهداء والمفقودين والجرحى

للزلازل أسبابه

الدكتور المهندس "عمار كعدان" نائب رئيس جامعة القلمون اختصاص في البناء المضاد للزلزال كتب على صفحته يقول:لا أحد ولا أي وسيلة علمية او تقنية مهما كانت متطورة يمكنها توقع حدوث أي زلزال قادم، والهزات الارتدادية هي شيء متوقع وعامل إيجابي لتفريغ الطاقة على عدة هزات ضعيفة متتالية غير مؤثرة، وتتناقص حتى تتلاشى مع مرور الوقت من حيث الشدة والعدد.

بينما تحدث الدكتور " رائد أحمد" مدير المركز الوطني للزلزال الى وكالة سانا قائلاً: في تمام الساعة الرابعة وسبعة عشر دقائق صباح يوم الأثنين وقع الزلزال في جنوب "تركيا" وامتد في أثاره إلى شمال "سورية" وقد أصاب مدن "حلب وإدلب وحماه واللاذقية" بشكل مباشر وأحدث أضراراً في الأرواح والممتلكات تلاه زلزالين آخرين أخف قليلاً مع عشرات الهزات الارتدادية"، ولا يمكن وقوع تسوماني بهذا الزلزال لأن مركزه على اليابسة وليس على البحر

وما جرى هو عبارة عن تحرك الصفيحة العربية نحو الشمال والشرق مما أدى إلى تصادمها مع بعض مما أدى إلى تحرير قوة كامنة على شكل زلزال مدمر ويتم تفريغ تلك الطاقة والشحنات بهزات ارتدادية متتالية. ومع الأسف لا يمكن التنبؤ بحدوث أي زلزال قادم في كل دول العالم حتى المتطورة تكنولوجيا وعلمياً. وانما يتم رصد الزلزال لوضع قاعدة بيانات معرفية لتحليلها مستقبلاً .

تم إجراء الحوارات والصور الحية بتاريخ السابع من شهر كانون الثاني لعام ألفين وثلاث وعشرين في أحياء "صلاح الدين والحمدانية والمشارقة.