تنظر "ليلى سلمان" إلى موسم قطاف الزيتون كرحلة ممتعة بين أحضان الطبيعة، تحمل بين أيامها الفرح بالمقسوم لها من الرزق والتعب الذي يتلاشى صباح اليوم التالي لتعود إلى حيويتها ونشاطها كأول المستيقظين لتحضيرات كل يوم.

ضمن طقوس اجتماعية متوارثة ممتعة منذ ساعات الصباح الأولى بهمة ربة المنزل "ليلى" وأول المستيقظين، تبدأ تحضير زوادة ومشروبات يوم كامل، وأهمها مخلل الزيتون والمكدوس، البيض والبطاطا المسلوقين، رؤوس البصل اليابس وحبات البندورة والخيار لوجبة الفطور ما قبل منتصف النهار، وكذلك بالنسبة لوجبة الغداء التي تعتمد على الطهي على نار الحطب بمقلي الفخار، وخير ما يمكن طهيه بين أحضان الطبيعة هو البرغل بحمص، لتحافظ على قوة ونشاط أفراد أسرتها، وإلى جانب هذه الوجبة طبق من الحشائش المتنوعة أو صلطة الخضار، لتساعد العاملين بالقطاف على تحمل الأجواء الحارة، وتقدم لهم المزيد من الماء الضروري تحت أشعة الشمس.

في الماضي القريب كانت منتشرة بين العاملين في قطاف الزيتون قصة المعاونة بين العائلات التي تضفي على العمل أجواء المرح والتسلية، وخاصة بين الشباب والشابات، ولكنها وبسبب التباعد الاجتماعي والمكاني في الوقت الحالي تقتصر المعاونة على أفراد الأسرة الواحدة المتزوج منهم والعازب

تحرص "ليلى" وفق ما تذكر لمدوّنة وطن eSyria على أن تتنوع وجبات الطعام على مدار أيام العمل لتبقى المتعة مرافقة لأفراد أسرتها، حيث تختار كل يوم وجبة مختلفة عن اليوم السابق، وجميعها تعتمد على ما تنتجه في منزلها ومن قن دجاجاتها لوجبة الفطور، بينما وجبة الغداء تكون بنكهة الحطب يومياً.

خلال تناول وجبة الفطور

رب الأسرة "محمد حاتم" وهو ثاني المستيقظين صباحاً يكمن دوره في تحضير مستلزمات العمل كتجهيز عصا طويلة خفيفة الوزن يطلق عليها اسم النابورة ومهمتها تسهيل نبر ثمار الزيتون الموجودة على أطراف الأغصان، وكذلك يشحذ منجله ومنشاره الصغير، لأنه حفظ عن والده أن خير عمليات تقليم تكون بعد مرحلة القطف مباشرة، ويحضر الفرش الذي يوضع تحت كل شجرة ليحمي الثمار من السقوط على الأرض، ويسهل عملية تنقيتها من الأوراق وجمعها بعد القطاف ووضعها في الأكياس الخاصة.

"محمد" يبدأ بإيقاظ أبنائه وتحفيزهم على العمل من خلال توضيح أهمية هذا الموسم كمصدر رزق سنوي متوارث ينتظره جميع الناس، لتحضير مؤونة الزيت ومخلل الزيتون وبيع الفائض لشراء بقية حاجياتهم.

كسر الزيتون بالعجول الحجرية

ولا يقتصر هذا التحفيز على الفترة الصباحية وفق حديثه وإنما يستمر على مدار اليوم من نشر الفرح والنكت الظريفة والمواقف الطريفة، ودعوتهم خلال العمل بين الحين والآخر لشرب المتة أو الشاي المصنوعين على نار الحطب، ويتابع: «في الماضي القريب كانت منتشرة بين العاملين في قطاف الزيتون قصة المعاونة بين العائلات التي تضفي على العمل أجواء المرح والتسلية، وخاصة بين الشباب والشابات، ولكنها وبسبب التباعد الاجتماعي والمكاني في الوقت الحالي تقتصر المعاونة على أفراد الأسرة الواحدة المتزوج منهم والعازب».

تبدأ مرحلة قطاف الزيتون وفق الطقوس المتوارثة بعد أول مرحلة من هطول الأمطار أو ما يعرف برية الزيتون، حيث يقوم المعمرون في كل عائلة بزيارة الحقول لتقدير كميات الثمار على الأشجار، وتنظيف المساحات القريبة من الأشجار من الأعشاب التي تعيق عملية القطاف حسب ما تحدث به الباحث التراثي "حسن إسماعيل": «هذه الزيارة ضرورية وهامة لتحديد يوم القطاف وتحضير التجهيزات، ولمعرفة إن كانت الأمطار قد غسلت الأشجار والثمار وأزالت الغبار عنها أم لا، وهنا يجب انتظار حوالي عشرين يوماً لإعلان موسم القطاف بعد هذه الرية، حيث تبدأ النساء بجمع الثمار المتساقطة ووضعها في كيس خاص بها لصناعة الصابون منها، ومن ثم قطاف الثمار جيدة الشكل والحجم لصناعة مؤونة مخلل الزيتون، وبعدها تبدأ مرحلة القطاف بمتعتها وتعبها التي قد تستمر لحوالي الشهر لمن يملكون حيازات زراعية كبيرة».

مرحلة نقل وغسل الزيتون

بعد الانتهاء من مرحلة القطاف تأتي مرحلة العصر التي يفضل فيها أغلب الناس المعاصر التقليدية المعتمدة على ما يسمى العجول الحجرية الضخمة المخصصة لطحن الثمار، حسب الشاب "فاتن ضوا" المسؤول عن معصرة تقليدية في مدينة "بانياس": «نحافظ باستخدام العجول الحجرية على طريقة العصر التقليدية المتوارثة منذ القدم، وعلى جودة الزيت المستخرج بواسطة ضاغط ضخم من العلائق المصنوعة من خيوط القنب، وبعدها يوضع في الفرازة الحديثة المخصصة لفصل المياه والشوائب عن الزيت.

واللافت أنه بعد عملية التكسير تبدأ رائحة الزيت بالفوح في المكان، وهو ما يحبه الناس، حتى إن بعضهم يحضر رغيف خبز وبعض البصل الأخضر ليتناول (سندويشة سريعة)، والبعض يرغب بالحصول على بقايا العصر أو ما يعرف بالتمز ليستخدمه في عمليات التدفئة في فصل الشتاء».

انتشار زراعة أشجار الزيتون يعود لعدة أسباب أهمها أنها زراعة بعلية ولا تحتاج إلى ري، ولملائمة المناخ بشكل عام لهذه الزراعة وفق حديث المهندس الزراعي "غيفار علي" وذلك من خلال انخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء وارتفاعها في فصل الصيف، وهذا أوجد تنوعاً في أصناف الزيتون كالخضراوي والصفراوي والدعيبلي، ولكنه لم يبعدها عن الأمراض والآفات كمرض عين الطاووس وذبابة الزيتون.

بقي أن نذكر أنّ مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي في "طرطوس" قد قدّرت موسم الزيتون الحالي للعام 2020 بحوالي 92 ألف طن بانخفاض قدره حوالي عشرة آلاف طن عن الموسم الماضي، حيث تبلغ المساحة المزروعة بأشجار الزيتون حوالي /75260/ هكتاراً، بينما يزيد عدد الأشجار على 11 مليون شجرة.