حمل المحامي "عدنان خدام" هموم أبناء مدينته "بانياس" إلى البرلمان السوري في خمسينات القرن الماضي، وكان نصيراً لها وملبياً لمعظمها، وخاصة فيما يتعلق بالبنى التحتية، لكن هذا لم يبعده عن روح مهنته التي حوّلت مكتبه إلى محكمة تفصل بالحق والتراضي.

اختلفت طبيعة وتكوين شخصية المحامي "عدنان خدام" كما اختلفت أفكاره عن بقية أقرانه، وذلك ضمن ظروف ومرحلة مجتمعية حرجة، عانى العمال ظلم وجور القانون وعدم إنصافهم، لكون نظام العمالة يخضع لنظام التعهدات، وهنا قال ابنه "محمد بشير محمد عدنان خدام" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 14 تموز 2018: «عرف والدي في كل مراحل حياته، وخاصة منها عندما كان نائباً في البرلمان السوري، بمناصرة العمال والفلاحين وتحصيل حقوقهم حتى ولو على حساب أقاربه المقربين، وخاصة في مجال العمل بالنفط؛ لكونها ترافقت مع مرحلة دخول استثمارات النفط إلى الساحل، ومنها مدينتنا "بانياس"، وذلك بعقل المحامي القانوني المتمرس، وهنا تمكن بالفعل من إلغاء نظام العمل بالتعهدات العمالية التي لا تمنح العامل كامل حقه، لأن متعهد العمال له جزء منها يحدده هو كما يحدد أجرة يومية كل عامل وفق أهوائه، علماً أن عمي شقيق والدي كان متعهداً بارزاً في هذا المجال، وقد تأثر سلباً بالأمر، لكنه لم يهتم بتأثر أخيه كفرد بقدر ما كانت تسرّه مصلحة الجماعة؛ أي العمال.

درس والدي في مدرسة "النهضة"، أو كما كانت تعرف بمدرسة "المعلم يوسف"، وكانت مناهجها صعبة ومتطورة، ثم درس في "اللاييك" بـ"طرطوس" المراحل التعليمية المتقدمة، وتابع دراسة القانون بكلية الحقوق في "دمشق"، وتخرّج عام 1947، وكان من أوائل محامي المدينة، وفتح مكتبه على مدار الساعة من دون تذمر، وأذكر أنني كنت أترقب قدوم الليل بفارغ الصبر لأخلد إلى النوم وأرتاح من تقديم الشاي والقهوة للضيوف

كما أنه لم يكتفِ بهذا وطالب لاحقاً بتغيير قانون العمل جذرياً ليحمي العمال على رأس عملهم من التسريح الكيفي الجماعي الذي يتحكم به رب العمل وفق أهوائه؛ وهو ما مثّل ارتياحاً كبيراً لدى العمال الذين عانوا رهاب التسريح الجماعي غير المسبوق بإنذار أو إخطار، وقد نوقش هذا الأمر برلمانياً عام 1956 بإحدى الجلسات التي حضرها كممثل برلماني عن مدينة "بانياس".

فريد قداح

وأردف مناقشاته البرلمانية المتكررة بمطلب ما يزال عمال شركة النفط وموظفوها بوجه عام يتمتعون بنتائجه؛ وهو تفسير القانون (360) الذي عجزت عن تفسيره نقابات عمال النفط حينئذٍ، فنتج عن هذا النقاش منح عمال الشركة وعمال المتعهدين أجور أيام إجازاتهم الإجبارية».

ويتابع: «مرحلة العدوان الثلاثي كانت حساسة مجتمعياً، وكان على الرجال المؤمنين بالدولة ضبط المجتمعات التي ينتمون إليها وشحذ هممهم، وهذا أدركه والدي "عدنان" واستغل لأجله علاقته الجميلة مع أبناء بلدته التي كنت مقرباً من نتائجها بحكم قربي من والدي، وكان شعاره حينئذٍ: (أخي المواطن)، حيث كان عصب الحياة في المدينة القطاع النفطي، فإما أن يستمر، أو تنقل الإدارة العاملة لها إلى خارجها، فجاهد على بقائه وتثبيت أركانه في مدينتنا بعد أخبار إعلامية كثيرة عن ضغط الحكومة عام 1957 على الشركة لكي تعدل عن نقل مكاتبها إلى مدينة "بانياس" واستجوابها برلمانياً نتيجة ذلك.

المحامي عدنان يوسف خدام

كل هذا كان نتيجة إدراك المجتمع في المدينة والريف أخلاق المحامي "عدنان" الذي طالبوه قبل أن يصبح برلمانياً بتمثيلهم رسمياً إلى جانب الراحل الشيخ "محمود حبيب"، ليكونا عوناً لهم في تحسين خدمات المدينة التي تحسنت بفضلهما ريفاً ومدينة».

عرف بدبلوماسيته الكبيرة وسماحته الناتجة عن تحصيله العلمي في زمن قل فيه المتعلمون لأسباب كثيرة، وهنا قال "محمد بشير": «درس والدي في مدرسة "النهضة"، أو كما كانت تعرف بمدرسة "المعلم يوسف"، وكانت مناهجها صعبة ومتطورة، ثم درس في "اللاييك" بـ"طرطوس" المراحل التعليمية المتقدمة، وتابع دراسة القانون بكلية الحقوق في "دمشق"، وتخرّج عام 1947، وكان من أوائل محامي المدينة، وفتح مكتبه على مدار الساعة من دون تذمر، وأذكر أنني كنت أترقب قدوم الليل بفارغ الصبر لأخلد إلى النوم وأرتاح من تقديم الشاي والقهوة للضيوف».

عدنان خدام في آخر أيامه لم يفارق القراءة

وفي لقاء مع المعمّر "فريد قداح" ممن عاصروا مرحلة جيدة من حياة المحامي "عدنان خدام"، أكد بدايةً أنه من الأشخاص القليلين الذين يمكن القول إن الوطن فقدهم، لأنه حمل فكراً تنويرياً اعتمد القانون، وتابع: «استنرنا بأفكاره التي وجدناها متطورة كثيراً مقارنة مع البيئة المجتمعية التي كنا نعيش فيها؛ علماً أنني خريج كلية شريعة، وخلال جلساتنا المسائية مع مجموعة من الأصدقاء الحاضرين يومياً نهلنا منها كثيراً؛ وهو ما انعكس على طبيعة المجتمع بوجه عام. وأذكر أن فكره التنويري دفعه إلى الحض على الصلاة في أي جامع من جوامع المدينة وريفها، ورفض فكرة الأفضل بين الناس إلا بما يثبته كل شخص عن نفسه، علماً أنني كخطيب وإمام جامع لم أفعلها وأشجع على الصلاة في أي جامع من جوامع المدينة وريفها.

وأذكر أنني كنت ألجأ إليه للإفتاء بالكثير من الأمور الصغيرة التي لم تشملها النصوص والأحاديث، وكان يعتمد في ذلك القانون، وتجد ارتياحاً بين الناس لكونها تلامس الواقع وتبسّط طرائق التعامل معه».

ويتابع: «وصول التوكيلات والخلافات التي يلجأ الناس إليه لحلها في المحاكم أمر نادر بالنسبة له، وآخر شيء يفعله، لأنه اعتمد حلّ خلافات الناس بجهده الشخصي وفق الأصول القانونية، وهذا اختصر الوقت الطويل والمال الكثير على طرفي الخلاف، حيث اعتمد مبدأ الاستماع إلى الطرف الأول، ثم الاستماع إلى الطرف الثاني، ثم جمع أحدهما مع الآخر لحل الخلاف، وفي حين تعنت أحد الطرفين، وخاصة الطرف المخطئ على الإجراءات القضائية كان يقول له: "إن كل ما قمنا به من محاولات الصلح وحل الخلاف هنا بالمكتب مجاناً، وإذا تحولت القضية إلى المحكمة ستكون مدفوعة الأجر بالكامل، ولن أكون مدافعاً عنك، بل المدافع عن الحق"».

يشار إلى أن المحامي "عدنان يوسف خدام" من مواليد مدينة "بانياس"، عام 1925، وتوفى عام 2001.