تربّى المعلّم التسعيني "سلمان خدّام" في عائلة تحبّ العلم وتشجعه، تعلّم وعلّم في مناطق عدّة، وأسّس مدرسة في قريته تعدّ من أقدم سبع مدارس في الساحل السوري.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 28 تشرين الثاني 2017، المعلّم "سلمان خدّام"، فتحدث عن حياته ونشأته قائلاً: «عشت في عائلة متوسطة الحال في قرية "مزار القطرية"، أبي الرجل المحب للتعليم والعمل والصدق، وأمي من عائلة كريمة تحب التعليم، وذلك في منطقة "البرازين" التابعة لمدينة "جبلة"، لا أعرف أيام طفولة، لأنهما أرسلاني إلى بيت جدي لأمي لأتعلّم القرآن الكريم وتجويده واللغة العربية، وكنت أجيد اللغة العربية جيداً وتجويد القرآن والحساب قليلاً، وكانت عائلة جدي تستقبل الطلاب من المناطق كافة ليتعلّموا، وحين وجدوا أن الأعداد كبيرة قاموا بإنشاء مدرسة عام 1939 وكنت من طلابها بعيداً عن أهلي وقريتي، وهي مرحلة قاسية بالنسبة لي، ونجحت آنذاك بالشهادة الابتدائية؛ وهي أول شهادة ابتدائية في منطقتنا».

خطرت في بالي فكرة تكريم أبي وأمي اللذين ربياني وعلّماني، وزوجتي التي كانت سنداً لي، فقمت في عام 2006 بجعل منزل أبي المتوفى إلى "مبرّة" (مكان لتقديم التعازي في حالات الوفاة) وتجهيزها بكل ما يلزم لخدمة أهالي القرية في أحزانهم، وخصصت جائزة للمتفوقين في المرحلتين الإعدادية والثانوية، كما قمت بتأسيس جمعية خيرية لخدمتهم

ويضيف: «بعد ذلك عدت إلى أهلي وعلقوا شهادتي في المنزل، وفي عام 1943 حصلت على الشهادة الإعدادية (البروفيه) والثانوية عام 1946، ولم يتسنَّ لي أن أسجل في الجامعة، وتمّ تعييني في مدرسة "البهلولية" المؤلفة من خمسة صفوف، وتحوي 153 طالباً من قرى عدة، وكنت المعلم الوحيد في تلك المدرسة، وفي عام 1947 علّمت في قرية "بكسا"، ثم درّست من عام 1948 ولغاية عام 1952 في "القدموس"، وأخذت سمعةً طيبةً في كل مكان علّمت فيه، وتزوجت من "نديمة مهنا"، وعلّمت في مدرسة البنات آنذاك».

سلمان خدام

كان لصداقته دور في بناء مدرسة في قريته، يقول: «صداقتي مع مدير الناحية "حسن عباس" في "مصياف" فتحت المجال لإنشاء مدرسة في قريتي "مزار القطرية"، وأثناء ذلك كان أبي يبني بيتاً حجرياً؛ وهو أول بيت يُبنى بهذه الطريقة في القرية، فعملنا على توسيع المنزل ليصبح مدرسة خاصة في عام 1952، وأطلقنا عليها اسم "عبد الله بن رواحة" بأجور قليلة جداً، وكنت أحفّز الطلاب بإعفائهم من قسط السنة الثانية في حال نجاحهم في السنة الأولى، وهي تعدّ من ضمن أقدم سبع مدارس في الساحل السوري، حيث كان طلابها يأتون من منطقة "الحفة" و"اللاذقية" و"جبلة" وبعضهم من "القدموس"».

ويتابع قوله: «المدرسة بمنزلة بيت علم، والطلاب الذين كانوا يعانون بسبب العودة إلى منازلهم ينامون في منزلي، وأعاملهم كما أعامل أبنائي، وكانت زوجتي تساعدهم وتحرص على سلامتهم وراحتهم وتعليمهم أيضاً، فقد حققت المدرسة المرتبة الأولى على مستوى المحافظة أكثر من مرة، ودرست كلية الحقوق عام 1959، وتخرجت عام 1963، وشغلت وظيفة في مؤسسة التبغ بـ"اللاذقية" من عام 1970 ولغاية 1983».

سلمان خدام يكرم المتفوقين

ترجم مسيرة حياته بالعطاء المستمر وأعمال الخير، يقول: «خطرت في بالي فكرة تكريم أبي وأمي اللذين ربياني وعلّماني، وزوجتي التي كانت سنداً لي، فقمت في عام 2006 بجعل منزل أبي المتوفى إلى "مبرّة" (مكان لتقديم التعازي في حالات الوفاة) وتجهيزها بكل ما يلزم لخدمة أهالي القرية في أحزانهم، وخصصت جائزة للمتفوقين في المرحلتين الإعدادية والثانوية، كما قمت بتأسيس جمعية خيرية لخدمتهم».

موجّه الرياضيات الاختصاصي "إبراهيم بليدي" ابن قريته، يتحدث عنه قائلاً: «هو أكبر معمّر في القرية حالياً، وله بصمة بارزة فيها؛ فقد أنشأ مدرسة في الخمسينات ساعدت أبناء المنطقة على متابعة تعلميهم، وأغلب طلابه درسوا في الجامعات، ومنهم الطبيب والمهندس والمدرّس والضابط والصيدلي، ووجود المدرسة كان أمراً مهماً، حيث سهّل على الناس تعليم أبنائهم في ظل الظروف الصعبة التي كان يعانيها الريف، كما أنه رجل يحب الخير ومساعدة الناس، وخاصة أبناء قريته؛ فقد عمل على بناء "مبرّة" بطابقين في منزله ليتمكن الناس من إقامة مراسم العزاء فيها، وأسس جمعية خيرية للقرية، ومنذ سنوات حين كنت مديراً لثانوية القرية قام بتوزيع جائزة مادية وشهادة تقدير على المتفوقين الثلاثة في الإعدادية والثانوية بفرعيها العلمي والأدبي، ويوزعها كل عام».

الموجّه إبراهيم بليدي

الجدير بالذكر، أن المعلّم "سلمان خدّام" من مواليد قرية "مزار القطرية" عام 1924، ويتمتع بصحة جيدة، ويرافق ابنته إلى صيدليتها منذ خمس وثلاثين سنة إلى يومنا هذا.