تجاوز السبعين عاماً ومازال على شغفه بالفضة وصياغتها، يثبت سجله أنه باع غرام الفضة بليرة سورية واحدة في يوم من الأيام، ويعدّه رواده مرجعاً لكل ما يتعلق بهذه الحرفة الفنية وتاريخها الطويل.

صائغ الفضة في مدينة "اللاذقية" الحرفي "يونس عربي كاتبي"؛ الذي ارتبط اسمه بصياغتها وبيعها وتجارتها، زارته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 28 آذار 2016، فتحدث قائلاً: «ترجمت هوايتي وحبي للتراث من خلال العمل بصياغة الفضة، وجمع كل ما يتعلق بتراث الآباء والأجداد ليبقى منارة تهتدي الأجيال بها إلى عراقة الماضي، وأذكر حين كنت في الصف الثاني الابتدائي اشتريت قرشين من صديقي في المدرسة يعود تاريخهما إلى عام 1926، وما زلت أحتفظ بهما».

اسمه على القطعة يكفي كي تثق بطريقة صنعها وجودتها ودقة تفاصيلها، هو من العلامات الفارقة في هذه الصناعة في الساحل السوري

عمل والده بتجارة المعادن مثل النحاس والحديد وغيرهما، كان سبباً في اختياره للفضة كعامل مساعد في زيادة الدخل، ويقول: «إضافة إلى مساعدة الأهل، فإن حبي لاقتناء الأشياء القديمة دفعني إلى التعمق في العمل والمضي فيه، فأخذت شراء القطع الجاهزة، ومع مرور الأيام تعلمت صياغة الفضة وصنع أشياء بسيطة تعتمد العمل اليدوي البحت الذي لا يحتاج إلى آلات ضخمة؛ مثل: الحفر، وتخطيط الأسماء، وزخرفة الأحرف، والشعارات، ولدي ختم يحمل اسمي لتوثيق بعض القطع التي قمت بصنعها».

في العمل، إيلا قدح

لم يقتصر عمله على صياغة الفضة، بل اهتم بشراء الفضيات القديمة لعائلات سورية وأخرى عربية وأجنبية، يضيف قائلاً: «هناك عائلات امتلكت فضيات قديمة من منتجات الريف السوري، وخاصة هنا في الساحل عندما كانت الفضة متداولة أكثر من هذه الأيام، وهذه القطع تمتلك جاذبية وأهمية لمن يمتلك المعرفة بالتاريخ والاهتمام بالتراث، حبي للفن والتراث ولّد رغبة باقتناء تلك القطع وشرائها من الناس، حيث أتداول بعضها في البيع والشراء، وأحتفظ ببعضها لارتباطها بذكريات وتراث يعود إلى ماضي الأجداد، كما أنني أعرف القطعة من اللمسة الفنية للتراث الذي يخص كل بلد، فالفن المصري تدخل فيه زهرة اللوتس؛ وهي مقدسة عند المصريين القدماء، وتتميز القطع في "سورية" بالموزاييك والخطوط العربية القديمة والنقش الهندسي والنباتي، يتبادل الناس الفضة فيما بينهم ويقدمونها كتذكار وهدية في مناسباتهم، وعلى الرغم من قلة شرائهم لها أشعر بالسعادة حين يظهرون إعجابهم بالفضيات الموجودة في المحل».

يكمل "كاتبي" عقوداً ستة من العمل في صياغة الفضة تغيرت فيها العادات والمجتمع وطريقة تعامل الناس مع المعدن، لكن الذواقين لهذا المعدن ما زال بعضهم مستمرين معه، ويقول: «لدي زبائن من كل العائلة كالجدة والأم والابنة، وهذا يشجعني على العمل والاستمرار فيه، فهذه الأجيال المستمرة في علاقتها مع المعدن الأبيض واهتمامها به تجعل للعمل قيمته ليس فقط تجارياً، بل إنسانياً، تنشأ عبر الأجيال علاقات فيما بينهم، تتقاطع الذكريات الماضية مع الجديدة في "توليفة سورية"، فكثيرون من عشاق الفضة من مناطق مختلفة يتعرّفون بعضهم هنا، ويتعاملون مع بعضهم، وتنتقل العلاقات من علاقة زيارة محل إلى زيارات عائلية».

من "فارتينات" العرض

"إيلا قدح" من رواد المحل لستة وثلاثين عاماً، تتحدث قائلة: «أتعامل معه منذ زمن بعيد، وعمله مميز ومختلف، وغير موجود في أي مكان آخر من المدينة، واهتمامه بالقطع التراثية القديمة يتيح لي فرصة الشراء والبيع، كما أقوم بكتابة الشعار أو الاسم الذي أريده ليصنعه لي بالفضة ويضع لمسته وخبرته في كل قطعة، ونحن عشاق الفضة نعدّه مرجعاً في كل ما يتعلق بهذا المعدن».

"منير بيرقدار" الذي يتعامل مع الفضة أيضاً، يقول في شهادته عن "كاتبي": «اسمه على القطعة يكفي كي تثق بطريقة صنعها وجودتها ودقة تفاصيلها، هو من العلامات الفارقة في هذه الصناعة في الساحل السوري».

من فضيات المحل التراثية

يحلم السيد "كاتبي" بإقامة متحف صغير يضم مجموعة من منتجاته التي احتفظ بها عبر سياق عمله الطويل، ويأمل بزوال كل العقبات التي تمنعه من ضم أعماله إلى متحفه هذا، ليكون متحفه المنتظر أول متحف سوري في الساحل يضم مجموعات نادرة من قطع الفضة هنا.