يخطفك القاص "وليد شعيب" إلى حيث تريد من دون أن تشعر بأنك جزء من الذي تريده؛ من خلال إطلالته اليومية المتسلسلة على شبكة التواصل الاجتماعي، عارضاً أهم الأحداث والمواقف المحزنة والمفرحة بطريقته الساخرة المحببة، مستغلاً موهبته الكبيرة بالقصة القصيرة.

وعلى مدى الأيام استطاع أن يكون الراوي اليومي لمجتمع ليس بصغير، ومصدر الثقة المعتمد من خلال صفحته على موقع "الفيسبوك" الغنية بقوالب متعددة على الرغم من أنه لم يتعمد الدخول بذلك، كما تحدث لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 28 كانون الثاني 2016، ويقول: «تعاملي مع العالم الافتراضي بدأ كما بدأ به الجميع، كنوع من الفضول ربما، لم يكن يعني لي الكثير في البداية إلى أن اكتشفت أنه منبر مهم وحضاري يمكن الاستفادة منه والتعبير عما أريد قوله، وفي الوقت الذي توجد فيه بعض الصعوبات أو العوائق في النشر بالصحف والمجلات جاء "الفيسبوك" ليكون منبري أو صحيفتي الأثيرة التي أملك فيها زاويتي اليومية، وقد أصبح لدي عدد كبير من الأصدقاء والقراء الذين ينتظرون قراءة مقالي؛ الذي ابتدعت له اسماً ساخراً "تسفيحة" وهي التي أخذت مكانها في قلوب الكثيرين -على ما أعتقد- وأصبحوا ينتظرونها، ربما لأنها تتصف بالروح المرحة والساخرة التي نحتاج إليها في هذه الظروف الصعبة والحزينة، فهناك "تسفيحة" الصباح وأحياناً "تسفيحة" المساء أو "تسفيحة" عاجل».

طورت أدواتي لتصل إلى أكبر شريحة من الناس من خلال المزيد من القراءة والتعلم المستمرين من تجارب الآخرين، والحرص الدائم على التجديد والإبداع والجمال والأسلوب الممتع والساخر والبسيط في إيصال الفكرة المنشودة، فأنا من المؤمنين بفكرة مفادها: (من المهم ما تقول، لكن الأهم كيف تقول)، فبكل تأكيد المبدع جزء من الناس، وأعتقد أن عليه أن يتمثل همومهم وتطلعاتهم شرط إعادة خلقها على نحو جمالي مبدع

اكتملت صفحته عندما خلق شخصية "أبي ذر العنداري" التي ينتظر حكمتها الناس بشوق كل صباح، وبات "شعيب" مسؤولاً عن "تسفيحاته" اليومية، وعن حكايات "أبي ذر" الملأى بالمتعة والسخرية والحكمة؛ وهو ما جعل أي منشور له محط مرور يومي وعادة يتلقفها أصدقاؤه ومتابعوه بشوق، ويقول: «تلك الشخصية المحببة خلقتها في أحد الأيام تيمناً بـ"أبي ذر الغفاري" الصحابي الثائر الحليم الحكيم، فهو يساعدني من أجل نقل وجهة نظر الآخر وصراع الأفكار المختلفة في المجتمع، ومن خلال الحوار بين "أبي ذر" الكبير المجرب الخبير أو الحكيم، وبين ابنه "ذر" الشاب الذي يمثل الجيل الجديد وما يحمل من قيم وأفكار معاصرة قد تكون متقدمة على أبيه، وباتت الشخصية تلقى قبولاً لدى القراء ويتلقفون أخباره وأخبار ولده بشيء من الرضا والمتعة والضحكة أو البسمة؛ ولا سيما أن أحدهما يكون دوماً في موقف لا ينبس فيه».

الباحث الكاتب كمال الشوفاني

كما كل مبدع يحتاج إلى أدواته وزاده اليومي حتى يستمر في ألقه، حيث حرص "شعيب"، ويقول: «طورت أدواتي لتصل إلى أكبر شريحة من الناس من خلال المزيد من القراءة والتعلم المستمرين من تجارب الآخرين، والحرص الدائم على التجديد والإبداع والجمال والأسلوب الممتع والساخر والبسيط في إيصال الفكرة المنشودة، فأنا من المؤمنين بفكرة مفادها: (من المهم ما تقول، لكن الأهم كيف تقول)، فبكل تأكيد المبدع جزء من الناس، وأعتقد أن عليه أن يتمثل همومهم وتطلعاتهم شرط إعادة خلقها على نحو جمالي مبدع».

لا تختلف كثيراً قصصه التي يصدرها في الكتب والمجلات والصحف عن تلك التي يقصها للناس على شبكة التواصل الاجتماعي، فهناك تغييرات بسيطة في القالب والمقدمات التي تناسب الحالة، لأن القصة في الحالتين كما يصفها حالة إبداع وتخيل، ويتابع: «تعد القصة أحد أنماط الخيال الإبداعي لذلك فهي تخيل، فهي تعرض حدثاً لم يقع أبداً، وأحياناً تعيد ترتيب أحداث فعلية، لكنها تركز بصفة أساسية على الجمالية أكثر من الحقيقة، وتتمثل المتعة الجمالية في شعورنا بالحرية عندما نعبر عن أنفسنا، وكنت أشعر بأنني بحاجة ماسة إلى هذا التعبير، بمعنى آخر أعتقد أن لدي شيئاً أريد أن أقوله، ولأنني لا أملك لغة تعبيرية أخرى كالرسم أو الشعر أو الموسيقا وجدت أن القصة ضالتي المنشودة؛ ولا سيما أنه لا وجود لعوائق أمام اختيار الموضوع، فكل ما يدور في الأذهان يمكن أن يتحول إلى قصة، شريطة ألا نبتعد عن إنسانيتنا أو نتناسى العالم المحيط بنا، الذي يصل إلينا من خلال الحواس الخمس، لكن في الوقت نفسه يمكننا أن نبني عالمنا الخاص بنا، والمقصود في هذا ليس إلا التعبير عن تأملنا أو خلقنا لجمال يختلف عن جمال الطبيعة، هذه الطبيعة التي تفقد سيطرتها علينا في لحظة الإبداع الأدبي، وأنا أرى حالة الخلق والإبداع طريقة تنفس مختلفة، أو النفس العميق الناجم عن الرضا والدفء بعد حمام ساخن، أو هي جلسة رومانسية مع الحبيبة في مكان أثير بعيد عن الناس، وفي بعض الأحيان أرى كتابة القصة صرخة لا أستطيع صراخها في مكان آخر، أو أراها حبة (تحت اللسان)، إنني في القصة أبتكر عالماً غير واقعي معتمداً عناصر من الواقع، وعكس هذا قد يحدث عندما أبتكر عالماً ممكناً معتمداً عناصر من الخيال».

"تسفيحة" المساء اليومية

الهدف من الكتابة بوجه عام، وكتابة القصة على وجه الخصوص؛ هو الانعتاق وإطلاق العنان للتخيل والإبداع، ويختم مستعرضاً ما وصل إليه: «ما أستدعيه من أحداث ليس إلا خيالاً، فالقصة خصوصاً والأدب عموماً هو الخيال، ومن خلال هذه الرؤية للأدب بدأت تجربتي المتواضعة، وكنت أقرأ نتاجي للأصدقاء الذين كانوا يستمتعون بما أكتب؛ ولا سيما أن أسلوبي يتصف بالروح الناقدة والساخرة، والتكثيف والإيجاز في الوقت نفسه، فكانوا يشجعونني بالاستمرار في الكتابة، لكن العلامة الفارقة أو النقطة المفصلية بالنسبة لي كانت حين أردت اختبار مقدرتي القصصية بعيداً عن آراء الأصدقاء والمحبين الذين ربما كانوا يحابونني في آرائهم حين أتيحت لي الفرصة بالتقدم لمسابقة "المزرعة" للقصة القصيرة عام 2001، التي سوف تخضع لتحكيم نقاد اختصاصيين على مستوى "سورية"، ونلت فيها جائزة المركز الأول عن قصة "المتنبي" وقرأتها في حفلة توزيع الجوائز في المركز الثقافي في ذلك الحين أمام جمهور كبير، كنت قبلها قد بدأت نشر القصص والمقالات الساخرة في بعض الصحف المحلية، وبعدها شاركت في كثير من الندوات داخل وخارج المحافظة، وشاركت بمسابقة للقصة القصيرة في "حلب" عام 2010 فزت فيها بالمركز الثاني، وفي هذا العام فزت بالجائزة الأولى لمسابقة "أديب الرابطة" عام 2015 التي تقيمها الرابطة الدولية للإبداع الفكري والفني والثقافي في "الإمارات العربية المتحدة"، وما زلت أمارس تلك المتعة والخلق وكأنني أكتب للمرة الأولى».

ولم يخرج حديث الكاتب والباحث "كمال الشوفاني" عن سياق ما أورده "شعيب" في حالة التواصل الفكري بين ما يكتب وما يقصه للناس في الحالات اليومية، ويقول "الشوفاني": «يقدم "وليد شعيب" من خلال كتاباته شبه اليومية على صفحته على "فيسبوك" أفكاراً تدور بمخيلتنا جميعاً من هموم يومية ومظاهر اجتماعية سلبية أحياناً وإيجابية أحياناً أخرى، فأغلب الأحيان أكون شخصياً أفكر بأمر ما حدث اليوم أو أمس فأجده قد تناوله على صفحته بطريقة موضوعية ذكية غير استفزازية؛ يساعده على ذلك طرحها بأسلوب فكاهي ساخر، وليس الأمر جديداً عليه فله كتابات سابقة في القصة القصيرة، وقد قرأت مجموعتيه القصصيتين؛ الأولى بعنوان "شنفريات" وقد اختار التوقيع فيها باسم "الشنفري" الشاعر العربي الثائر، كما اختار اليوم شخصية ثائرة أخرى هي "أبو ذر الغفاري"، وحوله إلى "العنداري" تيمناً باسم دارج لدينا في محافظة "السويداء". ومجموعته الثانية هي "مذكرات بارامسيوم"، وفي المجموعتين يركز "وليد شعيب" على تناول المواضيع الاجتماعية والسياسية الراهنة بطريقة ساخرة؛ لكن بمعانٍ جادة تحرك مشاعر القارئ الذي أغلب الأوقات يكون هو نفسه جزءاً من المشكلة المطروحة.

"تسفيحة" الصباح بقلم "أبي ذر العنداري"

أمر آخر جدير بالذكر، أن "وليد شعيب" شخصية اجتماعية توافقية يعول عليها في كثير من المواقف الراهنة التي تمر بها البلاد».

يذكر أن "شعيب" من مواليد "السويداء" عام 1962.