حشرة برية بمظهر جميل نسبياً، تفتك بالغابات الحراجية كآلة مدمرة، وخاصة منها الصنوبرية، وقد تنبّه لها أبناء المجتمع الأهلي والمختصون الزراعيون وانطلقوا للمكافحة.

الشكل البسيط والحجم الصغير الذي تمتعت به يرقة "جادوب الصنوبر" بريء لبعضهم، ولكنه خطير ويحتاج إلى تعامل خاص، وقد أدركه بعضهم الآخر، ومن هنا جاءت الفكرة للمكافحة وتضافر الجهود لتطبيقها، وكان الاستعداد على سلم الأولويات لكل محبي وعشاق الطبيعة ومحمياتها، وهذا ما أكده السيد "حسن حرفوش" من فريق "سلام يا طبيعة" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 9 أيار 2015: «إن الاهتمام بالبيئة والعمل من أجلها هو جزء لا يتجزأ من تكوين فريق "سلام يا طبيعة" كفريق أهلي مجتمعي تطوعي، وخاصة فيما يتعلق بقضايا النظافة البيئية والمحافظة على الغطاء الأخضر، لذلك كان ضمن سلم الأولويات الحماية من حشرة "جادوب الصنوبر" التي تصيب أشجار الصنوبر "بروتيا"، والتي تعد من أخطر الآفات في كل دول "البحر الأبيض المتوسط".

لهذه الحشرة أشعار مهيجة للجلد البشري عند الملامسة، وهو ما يسبب تحسساً جلدياً قد يكون خطيراً، وهذا كان عاملاً إضافياً لمكافحتها وتكوين فرق مدربة لهذا الأمر، والتشبيك كمجتمع أهلي مع الجهات الزراعية المختصة، لأن الخطر عام

وتتم الإصابة خلال فصلي الخريف والشتاء، وتمضي الحشرة خلالهما طور اليرقة، لتترك في فصل الربيع أعشاشها وتبدأ التغذي على الأوراق الخضراء خلال ساعات الليل، وهو ما قد يصل إلى حد التعرية الكاملة للأشجار، ثم تعود الدودة إلى الأعشاش المكونة من خيوط حريرية مع الأوراق، وفي فصل الصيف تطير الفراشات على مدى ثلاثة أشهر، وهذا يدل على أن وضع البيض والفقس يحدث تدريجياً، وهو يعدّ سلاحاً ضد الظروف البيئية والحيوية للحفاظ على استمراريتها وبقائها».

الفراشة

خطورة "جادوب الصنوبر" لا تكمن بالضرر البيئي فقط، وإنما تتعداها إلى الخطورة البشرية، وهنا قال: «لهذه الحشرة أشعار مهيجة للجلد البشري عند الملامسة، وهو ما يسبب تحسساً جلدياً قد يكون خطيراً، وهذا كان عاملاً إضافياً لمكافحتها وتكوين فرق مدربة لهذا الأمر، والتشبيك كمجتمع أهلي مع الجهات الزراعية المختصة، لأن الخطر عام».

إذاً، حملات المكافحة للحماية والتوسع في الرقعة الجغرافية هي الحل للسيطرة، وهنا قال: «خطر الآفة دفعنا إلى تنظيم ست حملات مكافحة في عدة مواقع لتشمل أغلب المواقع الحراجية المصابة، ومنها: محمية "جبل النبي متى"، وغابة "حميص"، وغابة "أبو النداء"، وغابة "التفاحة"، وبمشاركة واسعة من المهتمين على الصعيد الأهلي والزراعي المختص».

دودة الجادوب

وانطلاقاً من أهمية تضافر الجهود وطرح الطرائق الأفضل للتخلص من يرقات وحشرات "الجادوب"، كان لا بد من عمليات مكافحة مدروسة وجادة، تراعي عوامل السلامة البيئية والإنسانية، وهنا قال المهندس "علي جابر علوش" المهتم بالعمل التطوعي البيئي: «أرى أن "جادوب الصنوبر" لا يميز خلال ضرره بين أنواع أشجار الصنوبر، وإنما يهدد مختلف الأنواع، ويكون تأثيره أكثر وضوحاً في الأشجار الضعيفة، والأشجار المفردة ذات النمو الغض، حيث تتغذى اليرقات على الأوراق وتتسبب بإضعاف الأشجار، ويمكن أن تتسبب بموتها إذا ترافقت الإصابة مع حالة جفاف، وإذا كانت الأشجار نمت ضمن تربة سطحية.

ومن هذا التأثير السلبي كانت الحماية والتجهيزات عنوان السلامة العامة، حيث تتم المكافحة وفق طريقتين: الأولى بواسطة مادة "الديميلين" الزيتي التي تخلط مع المازوت، ويرش كالضباب على الأشجار، بواسطة مضخات خاصة، وهي الطريقة المعتمدة في الدوائر الحراجية الزراعية. أما الطريقة الثانية للمكافحة التي نقوم بها كفريق "سلام يا طبيعة"، فتعتمد على عدة أمور أولها اختيار المناطق المصابة، وخاصة تلك القريبة من الأماكن السكنية، باعتبار أن طريقة المكافحة بـ"الديميلين" لا يمكن استخدامها في تلك المناطق نظراً إلى سميتها، ثم تقسيمها إلى عدة مناطق، وتوزيع فرق العمل المدربة والمجهز بالمعدات اللازمة، وهي مقص خاص مع ذراع طويل، وقفازات حماية لليدين، ونظارة حماية للعينين، وكمامات، وقبعات لحماية الرأس».

التخلص من اليرقات بالحرق في ختام العمل التشاركي

ويتابع: «تتنوع طرائق المكافحة بحسب طور الحشرة ومنها جمع الأعشاش وحرقها، وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها وتكاملت مع إجراءات رش المبيدات والتنسيق مع مديرية حراج مدينة "الدريكيش"، حيث تم تنظيف موقعي "جبل النبي متى" و"حميص" بالكامل، إضافة إلى وجود سبل مكافحة أخرى كالمكافحة الحيوية باستخدام نوع من الدبابير كعدو حيوي يتغذى على البيوض، ومكافحة ميكروبيولوجية، وهي الأكثر شيوعاً لكونها لا تؤذي البيئة، والرش بالمبيدات الكيميائية المناسبة بعد فقس البيض عند اللزوم، واستخدام المصائد الحيوية».

أما المهندس الزراعي "جندب دخيل" رئيس "جمعية أصدقاء البيئة" في "طرطوس"، فقال: «من المهم جداً العمل التشاركي مع كافة الفعاليات الأهلية والجهات الرسمية الزراعية لوقف استنزاف الرئة الطبيعية للحياة البرية والبشرية من قبل حشرة "الجادوب"، هذه الآفة الخطيرة، ومن هذا المنطلق كان لنا كجمعية أهلية حملات تطوعية تشاركية مع عدة جهات معنية بالمكافحة بمختلف السبل والطرائق وفقاً للمواقع المصابة، وخاصة في مدينة "الدريكيش" للمساحة الحراجية الكبيرة فيها».

ويتابع: «الحشرة الكاملة فراشة ذات حجم متوسط يبلغ ما بين 2.5-3.5سم والأجنحة مفتوحة، وهي ذات لون بني فاتح، أما اليرقة فمحاطة بأشواك تسبب حساسية جلدية ومشكلات تنفسية عديدة، وتمضي الحشرة فصل الشتاء في طور اليرقة في أعشاشها، ثم تتركها في شهري شباط وآذار وتهبط إلى التربة وتتعذر على عمق 2-3سم، ثم تخرج الحشرة الكاملة خلال أيار وحزيران، وتضع الإناث البيوض حول أغماد الأشجار بشكل مغزلي، لتخرج اليرقات في شهر أيلول وتبدأ التغذية على الأوراق، وهي معلومات عامة يجب أن يتنبه لها ويتثقف بها الجميع، وهذا ما نحاول فعله في الأوساط المجتمعية الشعبية كمهتمين بالطبيعة والبيئة البرية».

وفي حديث مع المهندس الزراعي "يونس خضر" رئيس شعبة الوقاية بدائرة زراعة "الدريكيش" قال: «يوجد على امتداد مساحة الوحدة الإدارية لمدينة "الدريكيش" نحو 650 هكتاراً من الصنوبر الحراجي، ونقوم سنوياً بعمليات المكافحة لها من آفة "جادوب الصنوبر" عبر الرش الضبابي بمواد كيميائية خاصة، ونتشارك الزراعة مع المبادرين المهتمين البيئيين المتطوعين من المجتمع الأهالي لسلامة الطبيعة في هذا المشروع، وهذا جعلنا نمتد بالمكافحة على كامل مساحات المواقع الحراجية، وخاصة المواقع القريبة من المنازل السكنية التي يجب التعامل معها بطرائق مختلفة عن الرش».