عشرون عاماً قضاها الصياد "محمد حسين" في جمعية صيادي أرواد لتأمين حقوق الصيادين وتحسين واقع عملهم، بعد حوالي ستة عقود من الغطس البحري الطبيعي والصيد بخمسة أقفاص على الإطار المطاطي.

"محمد عبد الباري حسين" الملقب "الشيخ هاني"؛ شيخ كار الصيادين في جزيرة "أرواد" كما وصفه بعض الصيادين المخضرمين بالصيد من أبناء وسكان الجزيرة، ما يزال قائماً على أعمال جمعية الصيادين منذ حوالي عشرين عاماً، بعدما اختبر الصيادون تفانيه بهذا العمل.

غذائي الدائم كان من أفضل أنواع الأسماك التي أصطادها، وهذا منحني صحة جيدة مستمرة حتى الآن، وبنية بدنية قوية أساسها نسبة الكلس المرتفعة في العظام بحسب حديث أحد الأطباء، حيث وصف عظامي بعظام طفل فتي

في لقاء مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 نيسان 2015، قال عنه الصياد "عبد الرحمن بلقيس": «"الشيخ هاني" قدوتنا في الجزيرة، وكلمته مسموعة من قبل الجميع، لأنها كلمة حق اختبرناها على مراحل حياته المتعددة، ووقوفه إلى جانب الصيادين في عملهم، وخاصة عندما دافع عن حقوقنا في الصيد المستمر وتأمين مستلزمات مراكبنا من المحروقات، حيث كانت مخصصاتنا من مادة المازوت محصورة بثلاث دفعات شهرياً، وبفضله ومتابعته للموضوع مع الجهات المعنية استطاع تأمين دفعتين إضافيتين لتصبح المخصصات خمس دفعات شهرياً، وهذا أمر جيد انعكس إيجاباً على عملنا في مهنة الصيد البحري».

الصياد عبد الرحمن بلقيس

الصياد "عبد الرحمن فحل" استذكر المواقف العصامية كما وصفها، للشيخ "هاني"؛ التي كانت آثارها إيجابية بحياتهم في الجزيرة، وعنها قال: «"الشيخ هاني" رجل عصامي لأنه تبنى إخوته ورعاهم وعلمهم مهنة الصيد البحري، وهذا عرفنا بطبيعته الطيبة، وأتذكر في إحدى المرات عند إغلاق الميناء بسبب اضطرابات بحرية ومنع الصيد رغم وفرته، صمم على القيام برحلة صيد بحرية لأنه مدرك بخبرته الكبيرة أن بعد الاضطرابات البحرية أو ما يعرف بلغة البحر بـ"الغلينة" يتحرك السمك بكثرة وبنشاط كبير بحثاً عن الطعام، وذلك دون أن يدرك مواقع شباك الصيد، وهنا تكون فرص الصيد الوفير جداً كبيرة، ولكن الموانئ منعته بحجة عدم القدرة على القيام برحلة الصيد، ولكنه فاجأهم بقدرته على القيام بالرحلة والصيد الوفير جداً الذي حققه منها، ومن حينها أصبحنا نبحر خلال مرحلة "الغلينة" البحرية لنحظى بصيد وفير».

ويضيف "فحل": «تميز "الشيخ هاني" بقدرته على الغطس البحري في مختلف الأحوال الجوية ومنها الصعبة، وكان مضرب مثل بغطسه في الشتاء، عندما تكون درجة حرارة مياه البحر منخفضة جداً، وهو ما أذهل الصيادين، إضافة إلى طريقة صيده التي تعتمد على الإطار المطاطي المملوء بالهواء، حيث يضع عليه خمسة أقفاص معدنية مجتمعة، ويغطس بها من دون استخدام أسطوانة الأوكسجين، معتمداً على نفسه الطبيعي، فيصطاد كمية كبيرة من الأسماك تنافس صيد المراكب، وهذه مهارة قلما نجد أحداً يتمتع بها على مستوى الجزيرة».

الشيخ هاني في سوق جزيرة أرواد

الصياد "فؤاد إبراهيم كنفاني" أكد أن البنية القوية لـ"الشيخ هاني" التي ما يزال يتمتع بها حتى الآن ويستعرضها بقوة قبضته عند المصافحة، هي التي مكنته من الغطس البحري لحوالي عشرين قامة بحرية مستمرة أي حوالي أربعين متراً، دون استخدام أسطوانة الأوكسجين، معتمداً على عملية التنفس الطبيعية، وكأنه سمكة بحرية، مضيفاً عن أعماله على المستوى الاجتماعي في الجزيرة: «كان له الفضل في إعادة فتح المؤسسة الاستهلاكية في الجزيرة بعد عقود من الإغلاق، وأصبحنا نحصل على مخصصاتنا من التموين الشهري من هنا بدلاً من قصد مدينة "طرطوس"؛ وهو ما وفر علينا الوقت والمال، وهي حالة اجتماعية نستذكره بها دوماً».

وفي لقاء مع "شيخ الكار"؛ "محمد عبد الباري حسين" رئيس جمعية الصيادين في جزيرة "أرواد" قال: «عملت كثيراً من أجل تحسين وتكريس نشاط "جمعية الصادين"، لأنها تحفظ حقوق الصيادين في الجزيرة، خاصة أن البحر مصدر رزقنا الوحيد، فمنا من يمتهن الصيد ومنا من يمتهن التجارة البحرية، ومنا من يعمل على البواخر السورية وغير السورية، وخبرة أبناء "أرواد" في هذا المجال كبيرة وقيمة، وهذا بحد ذاته كان دافعاً لتحسين واقع عمل الجمعية وحصول الصيادين على حقوقهم وتقديم واجباتهم في المحافظة على المخزون البحري، وأتذكر أنني خلال عملي على البواخر في مرحلة الشباب، بعد العودة من كل رحلة كنت أقصد "دمشق" لحل خلافات الصيادين مع الدوائر الرسمية، ومنحهم ما يعرف بتموين مراكبهم من المحروقات وغيرها، وقد نجحت محاولاتي الكثيرة في هذا الأمر.

عملت بالصيد البحري جدياً وفعلياً من عمر السبعة عشر عاماً على أساطيل بحرية عالمية في كل من: "رومانيا"، و"تركيا"، و"قبرص"، وهذا نتيجة الخبرة التي تمتعت بها وخبروها جيداً وإلا لما تمكنت من هذا العمل، علماً أنني لم أتخصص في صيد نوع معين من الأسماك بل كنت متمرساً على صيد مختلف الأنواع والأصناف والأحجام؛ على عكس بعض الصيادين الممتهنين لصيد نوع معين بشباك معينة، وهذه خبرة تعلمتها بمفردي من مقارعتي لحالات البحر.

وأولى رحلاتي البحرية كانت على المراكب الخشبية المصنوعة في الجزيرة، بأيدي أبناء الجزيرة الأرواديين، وكان التعامل معها صعباً جداً، خاصة في العواصف والنواة البحرية، وهذا كان يحتاج إلى خبرة في التعامل، لأننا قد نخسر المركب، ولكن والحمد لله لم نخرج في رحلة صيد على هذه المراكب إلا وعدنا بخيرات البحر الوفيرة، وهنا يجب أن أقول إن منهم من لم يستطع الإبحار في مثل هذه الظروف الصعبة على عكسي تماماً، حيث كنت أهوى الصيد البحري في المناخات البحرية العاصفة».

الصحة الجيدة التي تمتع بها رغم سنواته الست والثمانين، عزاها لطبيعة غذائه، وهنا قال: «غذائي الدائم كان من أفضل أنواع الأسماك التي أصطادها، وهذا منحني صحة جيدة مستمرة حتى الآن، وبنية بدنية قوية أساسها نسبة الكلس المرتفعة في العظام بحسب حديث أحد الأطباء، حيث وصف عظامي بعظام طفل فتي».