انتمى المربي "محمد سعيد زهور عدي" إلى فكرة العروبة، وانشغل بقضايا التربية واللغة العربية، وأخذ على عاتقه النهوض بالفكر التنويري والدفاع عن تراث أمته...

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1 أيار 2014 الدكتور وعضو اتحاد الكتاب العرب "موفق أبو طوق" الذي تحدث عن حياة "محمد سعيد زهور عدي"، ويقول: «ولد في مدينة "حماة" عام 1887 لأسرة ترجع في أصولها البعيدة إلى سلالة قبيلة "عدي" الحجازية العريقة، توفي والده قبيل ولادته وسمي باسمه تيمناً، تدرج في مراحل دراسته من الكتّاب الذي تعلم فيه مبادئ القراءة والكتابة والدين إلى المدرسة الابتدائية التي تلقى فيها على مدار ست سنوات أسس العلوم الدينية الفقهية واللغتين العربية والتركية مع شيء من العلوم العصرية، ثم تابع في مدرسة المكتب الإعدادي الملكي التي أضافت إلى دراسته اللغتين الفارسية والفرنسية، مع توسع في دراسة الرياضيات إلى جانب الاجتماعيات والمنطق واللغة، ليتخرج أخيراً فيها متفوقاً وهو لم يناهز السابعة عشرة من عمره، على الرغم من مشكلاته مع ضعف البصر التي كانت تفاقمها مطالعاته الكثيفة مع ظروف الإضاءة البدائية المعهودة، استمرت دراسته المعمقة بالتحاقه بدروس الحلقة الفكرية الأدبية التي كانت تنعقد في جامع "النوري" بـ"حماة"؛ وهذا ما أتاح له الاطلاع على أفكار التيار الإصلاحي ودعاة اليقظة العربية، وقد أنجبت هذه الحلقات والاتجاهات الفكرية معظم زعماء المدينة وقادة حركتها الوطنية على رأسهم الشهيد "محمد علي أرمنازي"، والصحفي "أحمد سامي السراج"، والشاعر "حسن الرزق"».

كتب "سعيد عدي" القصيدة العمودية والتزم تقاليدها لكنه جدد في موضوعاته وأكثر شعره جاء في الموضوع الوطني، فنظم في تحية البلاد العربية، وتحية النهضة العربية والقائمين عليها، ومن الأغراض التقليدية نظمه في المديح النبوي كما نظم في النسيب والعتاب، وكانت لغته قوية جزلة وتراكيبه متينة، يحتفي بالأساليب البلاغية التقليدية من مجاز وبديع وتشف قصائده عن نزعته الإصلاحية والقومية، التي نذكر منها: "بلاد العربِ للعرب.. بلا شك ولا ريب أفديها بروحي.. من رزايا الدهر والنوبِ سلام الله يا بغداد.. مقر السادة الأمجاد برحبك شادت الأجداد.. بيوت العلم والأدب سلامٌ من فتى قد هام.. بحبك يا بلاد الشام ومن لحماك سوءاً رام.. بلاه الله بالعطب"

ويضيف: «مارس "سعيد عدي" مهنة التعليم فعمل معلماً في "حماة"، وكانت بداية نتاجه الفكري والأدبي بنشر المقالات والقصائد في صحف "حماة" التي صدرت عام 1908، وكان خطابه ذا طابع سياسي ديني ترافق مع خطاب آخر تحديثي تمثل في دعوته إلى تعليم المرأة وإشراكها في الحياة العامة، وخلال فترة تنقله بين مدارس "حماة" و"حمص" تعرف على نخبة من رجال الفكر وزعماء الإصلاح أبرزهم الشهيد "عبد الحميد الزهراوي"، وقد برزت في هذه المرحلة نداءات الاستنهاض لديه في مساهماته الشعرية، وفي عام 1913 سافر إلى "استانبول"، وعمل مدرساً في "أضنة"، وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى عاد إلى "سورية" ليبدأ نشر مقالاته السياسية وقصائده الوطنية في جريدة "حلب" الرسمية، ويلفت النظر إليه بجرأته وبلاغته فكلفه الحاكم العسكري في "حلب" أمير اللواء "شكري الأيوبي" برئاسة تلك الجريدة، فكتب معظم مقالاتها الافتتاحية وأبرزت مقالاته أهم سمات الخطاب العربي النهضوي ذي الأفق التحديثي».

موفق أبو طوق

أما الشاعر وعضو اتحاد الكتاب العرب "حسان عربش"، فتحدث لنا عن مرحلة نضال "سعيد عدي" ضد المستعمر الفرنسي ويقول: «تبدأ تلك المرحلة بعودته إلى العمل في مهنته الأصيلة معلماً في مدارس "حماة" لكن نضاله استمر ضد المستعمر الجديد وما هي إلا سنوات حتى تعتقله سلطات الانتداب الفرنسي وقد قارب الأربعين من عمره بتهمة المشاركة مع رجالات "حماة" في التحضير لثورة عام 1925، وبقي في السجن مدة سبعين يوماً، ونتيجة لمضايقة سلطات الاحتلال بدأ يكتب مقالاته بأسماء مستعارة حتى أواخر 1927، ومعظم هذه المقالات نشرها في جريدة "المقتبس" الدمشقية، ونتيجة لمقالاته الوطنية الجريئة التي بدأت تظهر صورته كرائد نهضوي عربي عمدت سلطات الانتداب إلى إحالته على التقاعد عام 1943؛ وذلك قبل بلوغه السن القانونية بثلاث عشرة سنة، وفي فترة لاحقة وبسبب إجهاد مطالعاته المستمرة فقد بصره كلياً وعلى الرغم من ذلك فقد تابع العمل مدرساً في دار العلوم الشرعية وجامع الشيخ "إبراهيم" الذي كان أميناً لمكتبته أيضاً حتى بلوغ سن الثمانين من عمره، حيث ترك كل عمل واعتزل العالم الخارجي نهائياً في المنزل حتى رحيله عن عالمنا أواخر عام 1980».

ويضيف: «كتب "سعيد عدي" القصيدة العمودية والتزم تقاليدها لكنه جدد في موضوعاته وأكثر شعره جاء في الموضوع الوطني، فنظم في تحية البلاد العربية، وتحية النهضة العربية والقائمين عليها، ومن الأغراض التقليدية نظمه في المديح النبوي كما نظم في النسيب والعتاب، وكانت لغته قوية جزلة وتراكيبه متينة، يحتفي بالأساليب البلاغية التقليدية من مجاز وبديع وتشف قصائده عن نزعته الإصلاحية والقومية، التي نذكر منها:

حسان عربش

"بلاد العربِ للعرب.. بلا شك ولا ريب

أفديها بروحي.. من رزايا الدهر والنوبِ

سلام الله يا بغداد.. مقر السادة الأمجاد

برحبك شادت الأجداد.. بيوت العلم والأدب

سلامٌ من فتى قد هام.. بحبك يا بلاد الشام

ومن لحماك سوءاً رام.. بلاه الله بالعطب"».

الجدير بالذكر، أن لـ"سعيد عدي" عدة قصائد ضمن كتاب "صورة رائد نهضوي من حماة"، وله قصائد نشرت في صحف ومجلات عصره، منها: "إلى روح النبي"، و"فتاة الرومللي"، وله كتاب "القول الوافي في العروض والقوافي" طبع عام 1929، وله كتاب ضخم ضم عدداً من مقالاته التي كتبها في موضوعات مختلفة تصب في اتجاه قضايا المجتمع السوري، منها: "ليس في سورية شعوب بل شعب واحد"، "صفة التعليم"، "عصرنة المدارس الشرعية".