تمتلك سورية العديد من الموائل الطبيعية لآلاف الأنواع النباتية والحيوانية في العديد من المواقع التي كانت سبباً لتجمع السكان حولها والتي يطلق عليها "الأراضي الرطبة" ومنها "سبخة الجبول".

وللحديث عن أهميتها وميزاتها وأهم التحديات التي تواجهها بالإضافة لدور الجمعية السورية لحماية الحياة البرية في الحفاظ على هذا الموقع، التقت مدونة وطن eSyria بتاريخ 8/3/2013 الدكتور "أكرم عيسى درويش" نائب رئيس الجمعية السورية لحماية الحياة البرية، فقال: «تتمتع سورية بامتلاك أكثر من عشرة مواقع يمكن أن يطلق عليها "مواقع الأراضي الرطبة" ومن أهم هذه المواقع سبخة الجبول المعترف بها من قبل الاتفاقية الدولية لحماية الأراضي الرطبة (RAMSAR).

مع تزايد السكان في محيط البحيرة والذي وصل إلى أكثر من 60 ألف مواطن موزعين على 28 قرية تحيط بها مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، ومع زيادة اهتمام الدولة بالمنطقة فقد أصبحت المنطقة منطقة استقرار اجتماعي

تقع سبخة (بحيرة) الجبول جنوب شرق مدينة حلب وتبعد عن مركز المدينة حوالي 40 كم تقريباً، وتبلغ مساحتها الإجمالية حالياً 262200 هكتار، حيث تشكلت من عدة ينابيع كانت على أطرافها كعيون نعيم (تل شلاش) والسلة غرباً وكذلك مياه الأمطار المباشرة الهاطلة على سطح البحيرة أو التي تصل إليها على شكل سيول من الوديان المحيطة بها مثل وادي الذهب، وقد ذاع صيت البحيرة منذ زمن لاشتهارها بالملح الطبيعي المستخرج من جوفها والمعروف بالملح الجبولي الشهير، وقد بينت الدراسة أن تربة قاع البحيرة المكونة من الغضار المتفسخ هي بالأساس تربة مشبعة بالمياه التي تصل درجة ملوحتها إلى 230غ/ل وهذه المياه هي المصدر المتجدد للملح الجبولي ضمن نظام بيئي ملحي طبيعي».

الدكتور "أكرم عيسى درويش"

تشكل بحيرة الجبول ومنذ الأزل موئلاً للعديد من أشكال الحياة البرية كما تشكل موقعاً ذا أهمية عالمية كاستراحة للطيور المهاجرة ومصدراً لتغذيتها من أهمها طائر "الفلامنغو" الذي يقدر المختصون أن 1% من التعداد العالمي لهذا الطائر يوجد في الجبول، كما يعيش فيها وحولها العديد من أنواع الأسماك والحيوانات البرية المهددة بالانقراض، وقد ساعد على ذلك نمو غطاء نباتي متميز بالقرب منها كنباتات الحلفة والبردي والقصب، بالإضافة إلى أنواع من النباتات المحلية التي تنمو في سبخة الجبول والتي يفوق عددها /50/ نوعاً، ما جعل البحيرة مرتعاً للطيور القاطنة والمستوطنة والمهاجرة، هذا التميز الطبيعي دفع الطيور عبر الزمن لجعلها محطة استراحة وتغذية لها اثناء هجرتها وتطورت لتكون منطقة تكاثر لبعض أنواع الطيور التي لم تكن تتكاثر فيها من قبل.

ويضيف الدكتور "درويش": «مع تزايد السكان في محيط البحيرة والذي وصل إلى أكثر من 60 ألف مواطن موزعين على 28 قرية تحيط بها مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، ومع زيادة اهتمام الدولة بالمنطقة فقد أصبحت المنطقة منطقة استقرار اجتماعي».

سبخة الجبول

أما عن المعايير التي اعتمدت لإعلان البحيرة كموقع أراض رطبة ذات أهمية دولية للطيور المهاجرة من قبل الاتفاقية الدولية للأراضي الرطبة (رامسار RAMSAR) فيذكر الدكتور "درويش": «البحيرة عينة ممثلة لنوع من الأراضي الرطبة، وهي تدعم وبشكل منتظم ودائم 20000 وأكثر من الطيور المائية، كما أنها تدعم بشكل منتظم 1% وأكثر من أعداد الطيور ضمن مسار هجرة لنوع واحد أو تحت نوع من الطيور المائية. كما أنها من المواقع المهمة لاستراحة وتشتية وتكاثر للطيور المائية المهاجرة».

ولخص لنا الدكتور درويش التغير الكبير في النظام البيئي في الجبول بالنقاط التالية: «تأخُر موعد الجفاف الموسمي للبحيرة نتيجةً لازدياد حجم مياهها. تراجُع نسبة إنتاج الملح وهذا ما دعا إلى إنشاء الحاجز الذي فصل الملاحة عن باقي أجزاء البحيرة. زيادة الغطاء النباتي وتنوعه نتيجة لارتفاع نسبة المياه العذبة الواردة إلى البحيرة. زيادة تنوع الثروة السمكية أيضاً بسبب تناقص نسبة الملوحة.

السبخة عبر غوغل إيرث

وبالتالي تحول البحيرة إلى موقع أراض رطبة ذات أهمية دولية للطيور المهاجرة والمتوطنة والزائرة (والتي بلغ عدد أنواعها أكثر من 100 نوع) حيث تحول قسم منها من طيور عابرة إلى طيور مستقرة، كالنحام (الفلامنغو) علاوة على أهميتها لمكونات التنوع الحيوي النباتية والحيوانية الأخرى. وهذا ما دفع بالاتفاقية الدولية للأراضي الرطبة (رامسار) لمنح الموقع شهادة دولية تعترف بالأهمية العالمية للموقع للطيور المهاجرة.

وفي حديثه عن أهم الأخطار التي تتعرض لها البحيرة يقول: «الأخطار عديدة ولكن نركز في هذه الأيام على مكافحة الخطر الكبير الذي يسببه الصيد الجائر وغير المنظم من قبل الصيادين. حيث يتم اصطياد كافة الأنواع وبكافة المواسم والطرق ودون تحديد للأعداد التي يتم صيدها إضافة إلى سرقة الأعشاش والبيوض والفراخ للإتجار بها داخلياً وخارجياً وغالباً ما توضع هذه الفراخ في حظائر مخصصة للدواجن أو الحيوانات الأهلية المدجنة».

وعن دور الجمعية السورية لحماية الحياة البرية في مجال الحفاظ على هذا الموقع يقول "درويش": «انطلقت الجمعية من قناعة مبرهنة وهي: أنه عندما يعرف المجتمع المحلي أهمية بيئتهم ومحيطهم الذين يعيشون فيه ومن ثم يعرفون كيف يمكن الاستفادة المستدامة منه دون تدميره فسوف يحافظون عليه وهم من يستفيدون منه أصلاً. ومن قناعة الجمعية بأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الحكومية المتنوعة (التنفيذية والبحثية)، من هذه القناعات انطلقت الجمعية في نشاطاتها في هذا الموقع الحيوي الهام. وبشكل مختصر نورد بعض هذه النشاطات:

** مشروع حماية التنوع الحيوي من خلال السياحة البيئية: عملت الجمعية على جلب تمويل لإنشاء نزل سياحي بيئي وتدريب المجتمع المحلي على إدارته إضافة إلى إجراء بعض الدراسات.

** المشروع الثاني وكان بالتعاون مع مرفق البيئة العالمية- برنامج المنح الصغيرة- وهدفه حماية الأنواع المهددة بالانقراض في السبخة من خلال توعية الصيادين وحثهم وتأهيلهم لمعرفة وسائل الصيد الفضلى للوصول إلى الصيد المستدام كما سعى المشروع إلى توعية وتدريب الصيادين على كيفية إيجاد مصادر الدخل البديل التي تعوض لهم عن الدخل الوارد من عملية الصيد أو مرافقة الصيادين السوريين أو العرب، وذلك بهدف دعم حماية واستدامة التنوع الحيوي في موقع متميز كهذا الموقع.

وللوصول إلى ذلك فقد تم تنفيذ بعض الدراسات المتعلقة بهذا الشأن كما تم تنفيذ برج لمراقبة الطيور ودعم بلدية الجبول لإعادة تأهيل الدوار المركزي في البلدة وتسميته دوار الفلامنغو.

وتعمل الجمعية حالياً على تزويد المجتمع المحلي بـــ 20 طباخاً شمسياً يعتمد على الطاقة الشمسية بهدف التخفيف المادي عن المجتمع المحلي عوضاً عن مصادر الطاقة التقليدية (الغاز والمازوت) والتخفيف من قطع الأعشاب والشجيرات في الموقع الطبيعي وبالتالي حماية الموائل التي تأوي إليها الطيور وغيرها من الكائنات. آملين في المستقبل القريب إلى الوصول إلى أول قرية سورية تعتمد بكاملها على الطاقة الشمسية في الطهو والطبخ.

أما فيما يتعلق بتفاعل المجتمع المحلي مع الجمعية ودوره في الحفاظ على هذه السبخة التقينا السيد "عيسى محمد الابراهيم" (أبو أيمن) من المجتمع المحلي وعضو في الجمعية السورية لحماية الحياة البرية ليحدثنا قائلاً: «أعترف بأنني كنت من صيادي هذه المنطقة المحترفين وتعايشت مع طبيعة البحيرة منذ أمد لا بأس به وخاصة التحول الكبير الذي طرأ على البحيرة بعد توسع المشاريع الزراعية واستجرار مياه من الفرات إلى منطقة الجبول، كما شاهدت العديد من الأخطار التي تهدد الحياة البرية والمائية في وحول البحيرة، ومع زيادة هذه الأخطار على أهم مقومات رزقنا المتواضع الذي كنا نجنيه من البحيرة من صيد أسماك وطيور وجمع نباتات فقد حاولنا جاهدين إقناع الجهات المعنية بمكافحة هذه الأخطار ومسببيها».

وفي تفنيد هذه الأخطار يقول "أبو أيمن": «الأخطار الرئيسية هي معمل الصناعات الكيميائية الذي يلقي بنفاياته السامة بل السامة جداً في البحيرة ما يسبب الموت الكارثي لأسماك البحيرة، إضافة للصرف الصحي غير المعالج الذي يلقى في قنوات الصرف الزراعي ومنها إلى البحيرة، كما أثّر منح جزء من البحيرة لمتعهدين (هم بالاسم مربو أسماك) ولكن حقيقتهم مدمرو البحيرة، حيث إن أساليب صيدهم مدمرة (كهرباء– وسموم وشباك صغيرة الفتحة) هؤلاء يحرقون نبات القصب المجاور للماء حتى تموت الطيور وتحرق أعشاشها حتى لا تشاركهم قليلاً من الأسماك، أضف إلى ذلك الصيد من صيادين قادمين من خارج المنطقة.

يذكر أن الجمعية السورية لحماية الحياة البرية هي جمعية أهلية مقرها في دمشق وتعمل على الأرض السورية، وهي عبارة عن مؤسسة ريادية مرنة تصبو لحياة برية مستدامة ضمن علاقات وشراكات وطيدة ودعم المجتمع، وهي تعمل على حماية الحياة البرية وبيئتها الطبيعية بشكل متوازن ومستدام وذلك بكسب الدعم الوطني والإقليمي والدولي لتلبية احتياجات المجتمع الإنساني وربط ذلك مع برامج التنمية المحلية ضمن إطار تشاركي بناء.