اعتاد "أبو يزن" كل خميس الذهاب إلى التكية "السليمية" وأخذ حصته من "طبخة الدراويش" التي أصبحت جزءاً من تاريخ الحّي فهي ما تزال تقدم منذ خمسة قرون، ما جعل السياح يحرصون على حضورها وتذوق نكتها التاريخية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 30/09/2009 السيد "محمد عربي تكريتي" رئيس جمعية "التكية السليمية" الخيرية في حيّ الصالحية، الذي تحدث بالقول: «"طبخة الدراويش" أو "شوربة الشيخ محي الدين" كما تعارف عليها أهل الحّي، هي عبارة عن "هريسة القمح واللحم"، وهي معروفة في حّي الصالحية منذ مئات السنين، وقد ارتبطت "طبخة الدراويش" بالتكية "السليمية" لكونها تصنع وتوزع فيها.

نستهلك في إعداد كل طبخة إلى \140\ كغ من اللحم الصافي (هبرة)، و\200\ كغ من القمح، و\10\ كغ من الدهنة، و\10\ كغ من الملح، بالإضافة إلى مقادير خاصة من البهارات والفلفل الأسود، كما يوزع \100\ كغ من الخبز "السمون" مع "الشوربة"، وتحضر بواسطة طباخين معينين من قبل مديرية الأوقاف كالطباخ "أبو علي البصل" الذي ظل يحضر هذه الطبخة من عام \1951\ إلى عام \2002\م

فالقصة بدأت عندما كانت التكية تقدم الطعام للطلاب الموجودين في حّي المدارس، حيث يوجد في هذا الحّي ما يقارب من \360\ مدرسة، ثم أصبحت التكية تقدم هذه الطبخة للفقراء والمحتاجين بموجب إيصالات صادرة عن وزارة الأوقاف، حيث اقتصر التوزيع على يومين في الأسبوع، ثم أغلقت "التكية" حوالي \22\ سنة، بسبب قلة الموارد، لتعود وتفتح أبوابها وتوزع "الطبخة" من جديد منذ \17\سنة، والتوزيع اليوم لا يقتصر على فئة معينة بل أبواب "التكية" تستقبل الجميع، سواء أهالي الصالحية أو حتى السياح الأجانب، وجمعية "التكية السليمية الخيرية" هي المسؤولة عن قبول التبرعات وتحضير "الطبخة"، فالجمعية تقبل جميع التبرعات المالية أو العينية (كالعقيقة والنذور والفداء وكفارة اليمين)، وتقوم بتعيين الطباخين ومساعديهم وطاقم لتوزيع الطبخة كل خميس فجراً».

التكية خميس فجراً

أثناء مرورنا بحّي المدارس باتجاه التكية رصدنا عدداً كبيراً من الأهالي، جاؤوا وهم يحملون معهم أوعية فارغة لملئها بـ"الشوربة"، وهنا يضيف: «إن الذين يأتون إلى "التكية" ويأخذون حصة من شوربة "الشيخ محي الدين" يقسمون إلى ثلاث أقسام: قسم يأخذ "الشوربة" عن حاجة، وقسم يأتي للتّعرف على "الشوربة" وهذا القسم يأتي من عدة مناطق مختلفة، فهم من أحياء دمشق أو حتى من الدول المجاورة، ويوجد قسم ثالث يحرص على تناول "الشوربة" للبركة، وهم في الأغلب من أهل الصالحية، الذين حرصوا على مدى عقود على تناولها وتوزيعها بينهم وهناك مقولة يتداولونها على سبيل الفكاهة "بخاف إذا راحت عليّ أجرب".

حافظ أهل الصالحية على توزيع "طبخة الدراويش" أيام الرخاء والشدة، وكان القائمون على التكية سابقاً ينفقون من عائدات الأراضي الكثيرة التي أوقفها السلطان "سليم" لخدمة التكية وجامع "الشيخ محي الدين"، فيقال إن "عدرا" كانت من أوقاف جامع الشيخ "محي الدين"، وكذلك الأمر بالنسبة لأراض في سفح "جبل الشيخ"، فإعداد الطبخة الواحدة يكلف حوالي \160\ ألف ليرة سورية».

باب "التكية السليمية"

وفي حديثه عما تحتاجه الطبخة الواحدة، ذكر بالقول: «نستهلك في إعداد كل طبخة إلى \140\ كغ من اللحم الصافي (هبرة)، و\200\ كغ من القمح، و\10\ كغ من الدهنة، و\10\ كغ من الملح، بالإضافة إلى مقادير خاصة من البهارات والفلفل الأسود، كما يوزع \100\ كغ من الخبز "السمون" مع "الشوربة"، وتحضر بواسطة طباخين معينين من قبل مديرية الأوقاف كالطباخ "أبو علي البصل" الذي ظل يحضر هذه الطبخة من عام \1951\ إلى عام \2002\م».

كانت "طبخة الدراويش" تحضر سابقاً بواسطة أدوات يدوية، أما اليوم فيوجد "خلاط كهربائي"، يُسرّع ويساعد الطباخين في تحضير "الشوربة"، السيد "إياد بقدونس" من الذين عاصروا الأدوات التقليدية فهو مايزال منذ \18\عاماً يحرص على تحضير "الشوربة" وقد شرح لنا طريقة إعدادها بقوله: «إن "الشوربة" تقدم الخميس فجراً، ولكن عملية إعدادها فتبدأ من الساعة السابعة من مساء الأربعاء، حيث تملأ أربع "حلل نحاسية كبيرة" بالماء وتوضع على النار، وعندما يغلي الماء في أكبر الحلل، يسكب القمح فيها.

جامع الشيخ "محي الدين"

أما اللحم فيوضع في "الحلة" الثانية، ويوضع العظم في الثالثة بينما تترك "الحلة" الرابعة للاحتياط، وتبقى الحلل على النار حتى يستوي القمح في الحلة الأولى وتخرج من داخله مادة نشوية فيسكب فوق القمح المستوي مرقة اللحمة المسلوقة الموجودة في الحلة الثانية ويحرك الخليط جيداً طوال الليل، ثم تضاف اللحمة إلى هذا الخليط ثم يغطى جيداً حتى الساعة الثالثة فجراً, ثم يسكب هذا الخليط في الخلاط الكهربائي بالتدريج, مهمة الخلاط هي مزج الخليط بشكل كامل وأخيراً لتصبح الشوربة جاهزة للتقديم بشكلها النهائي، حيث توزع الشوربة منه إلى "حلل" خاصة بالتوزيع على الناس، وذلك بعد أذان الفجر فوراً، حيث يأخذ كل شخص كمية من الشوربة ورغيفين من الخبز السمون».

انحصر توزيع "طبخة الدراويش" بالتكية "السليمية" التي بناها السلطان "سليم" بالتزامن مع جامع "الشيخ محي الدين" في عام \924\هـ ، ويحفظ أهالي حّي "الصالحية" قصة بناء مقام الشيخ "محي الدين".

"فراس الأيوبي" من أبناء الصالحية، ومن المشرفين على تحضير "طبخة الدراويش" يروي لنا القصة كما سمعها من أجداده، بالقول: «كان السلطان "سليم" يستحم في "حمام المقدم" في "سوق الجمعة" فسمع صوتاً يخرج من المكان الذي كان يستحم فيه "الشيخ محي الدين" سابقاً يقول له: "يا سلطان، اركب هذا الحصان ولا تنزل منه حتى يتوقف" وفعلاً ركب السلطان "سليم" الحصان، الذي مشى مسافةً معينة ثم أخذ ينبشُ الأرض، نزل السلطان وأخذ بالحفر، فوجد ثلاث جرات مملوءة بالذهب، ووجد آثار قبر الشيخ "محي الدين"، فأسرع ببناء الجامع ومقام للشيخ بداخله، وأمر ببناء تكية مقابل الجامع لتحضير الطعام لطلاب المدارس الموجودة في الحّي، واشترى بالمال المتبقي كثيراً من الأراضي التي أوقفها لخدمة الجامع ومصروفات التكية، والتي سميت فيما بعد بـ"التكية السليمية"».

(*) تم تحرير المادة في عام 2009.