للبوظة الدمشقية قصص عريقة تحكيها لذة الطعم والنكهة المميزة، والبوظة اختراع سوري بامتياز أصبحت مرتبطة بدمشق وتاريخها الحضاري وفلكلورها، وهي مشهورة بغناها بالفستق الحلبي والقشطة البلدية، ومن أول معامل البوظة في "دمشق" "دامر" في "الصالحية".

موقع eSyria بتاريخ 15/8/2010 خلال جولته في "الصالحية" التقى صاحب أول المحلات الدمشقية القديمة لتصنيع البوظة الدمشقية "الدق" والمسمى "دامر"، الذي يقع في شارع "ميسلون" على امتداد فندق "الشام"، ما إن تقترب من هذا المحل حتى تلاحظ الازدحام الشديد فيه والشبيه بخلية نحل تعمل، ما يشكل لديك دافعاً لزيارته وتذوق منتجاته.

لي في هذا المحل ذكريات جميلة تعود بذاكرتي إلى فترة الشباب، كنا أنا وصديقاتي من زبائن المحل منذ بدايته، وأصبح أحفادي الآن من زبائن المحل أيضاً، فلهذا المحل طابع تراثي دمشقي قديم مرتبط بطفولتنا وذكريات الدراسة

عن تاريخ المحل وبداياته يحدثنا السيد "صلاح دامر" صاحب محل "دامر" قائلاً: «بدأنا بتأسيس أول محل لنا في منطقة "عرنوس" جانب مدرسة "زبيدة" هذا المحل الذي أسسه والدي "حلمي دامر"، فالمحل له تاريخ قديم وما أتذكره أن المحل كان موجوداً في عام 1939 من خلال الصور التذكارية الموجودة للمحل، ونحن بدورنا تابعنا خطاه بإضافة بعض التفاصيل الصغيرة عليه».

من ذكريات المعمل القديم

عن ذكريات المحل القديم يحدثنا السيد "صلاح" فيقول: «"دامر" في "عرنوس" كان مقرا للعشاق وطلاب المدارس، ففي المحل القديم كانت هناك جلسات صغيرة عبارة عن عشر طاولات، كان العشاق يكتبون ذكرياتهم على جدران المحل الخشبية، ومازلنا محتفظين بتلك الألواح الخشبية التي دونت عليها ذكرياتهم الجميلة، ومن ثم تم نقل المحل إلى "الصالحية" عام 1985».

يحدثنا السيد "صلاح"عن آلية تحضيرالبوظة في البدايات فيقول: «نحن مشهورين بأنواع البوظة العربية التي كانت تطبخ على "الحطب، الكاز والغاز" لقد عاصرتُ معظم هذه المراحل، فكان والدي يشتري الثلج من أهل "القلمون" ويخزنه في المغاور القريبة من المنطقة بعد إضافة الملح الصخري إليه ليحافظ على برودته ووضعه في براميل خشبية، وكانت وسيلة النقل في ذلك الوقت "البغال"، حيث في المرحلة الأولى يتم طبخ الحليب وتعقيمه ثم تبريده يدوياً وذلك بوضعه بالقرب من النهرالذي كان يمر بجانب المحل».

داخل المحل

يصف لنا السيد "صلاح" آلية دق البوظة العربية فيقول: «آلية دق البوطة كانت تتم عن طريق مدقة خشبية طويلة تعلو وتهبط داخل برميل خشبي أو معدني بطريقة فنية رائعة تجعلك تعود بمخيلتك إلى تراث أجدادك، في الوقت الحاضر وعلى الرغم من تغير العصر وتوافر خطوط الإنتاج الأتوماتيكي أصبحت هناك سرعة في الإنتاج، لكننا مازلنا محافظين على المواد الطبيعية في التصنيع لأننا نقدم حرفة ولسنا معملا للمواد المغلفة».

أما عن منتجات" دامر" فيقول السيد "صلاح": «لدينا عدة أنواع للبوظة منها كل أنواع المكسرات وهي عبارة عن ثمانية أنواع، والمربيات مثل "الكبات، النارنج"، وعصيرالفواكه الطبيعية مثل "المشمش والفريز"، بالإضافة إلى "البوظة، الكاتو، البتيفور، المعجنات، المحلاية والكشكة"، وهذه الأصناف جميعها من إنتاج معملنا والذي يميزنا عن غيرنا الخلطات والنكهات الخاصة بنا».

من الخارج

العديد من الزبائن يقصدوننا وقد أصبحت وجوههم معروفة بالنسبة لنا، يتذكرالسيد "صلاح" وفي عينيه الشوق إلى تلك الأيام، فيقول: «الكثير من زبائن المحل القدامى مازالوا يترددون إلى "دامر" ويصطحبون أحفادهم معهم، والبعض من أصدقاء الوالد وهم قلة بسبب وفاة الأغلبية يقومون بزيارتنا لتذوق منتجاتنا ويحدثونني عن ذكرياتهم مع "دامر" أيام الفرنسيين، فالازدحام في "دامر" لا يقتصر على فصل الصيف بل يكون في مختلف الفصول، ففي البدايات كان يتوقف موسم البوظة في الشتاء وذلك يعود إلى أن الصناعة كانت يدوية وكان هناك عدم توافر للآلات الحديثة والسريعة».

خلال تواجدنا بالمحل التقينا أحد العاملين في "دامر" منذ ما يقارب عشر سنوات السيد "ناصر أحمد"، فيقول: «سبب استمراري في العمل لهذه المدة الطويلة وقيامي بمسؤوليته دون الإحساس بالتعب على الرغم من الضغط والازدحام هو المعاملة الطيبة والراحة النفسية التي أستمدها من صاحب المحل، كما أن طريقة تقديم العامل للبوظة تجذب الزبائن وقد نشأت علاقات ودية وألفة بيننا، وهنا أكثر الأصناف المرغوب بها والتي تباع بكثرة هي "الحليب باللوز، الشوكولا، الليمون والفريز" لأنها طبيعية ولا تحتوي على منكهات صناعية».

خلال جولتنا في "دامر" التقينا السيدة "أمينة عبد السلام" التي جاءت هي وحفيدتها لشراء بعد المنتجات، فتقول: «لي في هذا المحل ذكريات جميلة تعود بذاكرتي إلى فترة الشباب، كنا أنا وصديقاتي من زبائن المحل منذ بدايته، وأصبح أحفادي الآن من زبائن المحل أيضاً، فلهذا المحل طابع تراثي دمشقي قديم مرتبط بطفولتنا وذكريات الدراسة».

السيد "فراس أحمد" أحد الزبائن الذي كان ينتظر دوره للشراء يقول: «أنا مغترب وأعمل في "الكويت" وفي كل زيارة لي إلى سورية لا بد لي من تناول بوظة "دامر" المتميزة بنكهتها الطيبة، حيث أقوم بزيارة المحل خلال فترة وجودي هنا، واصطحب معي أنواعا عدة من حلويات المحل لأصدقائي في "الكويت"».