مما لا شك فيه أن مشكلة تلوث البيئة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوسائل التنمية، ومن وسائل التنمية الحديثة التقدم الطبي في جميع المجالات من أجل المحافظة على صحة الإنسان ومحاربة الأمراض المختلفة والإسعافات الأولية وغيرها.

ولكن هناك جانب سلبي للتقدم في الطب وإجراءاته وهو تلوث البيئة بمختلف الملوثات الطبية التي قد تؤدي إلى إصابة الإنسان بأضرار خطيرة ومميتة في أغلب الأحيان.

لعدم وجود مطمر مخصص لهذه النفايات، فإن أغلبية الأطباء في "السويداء" يعمدون إلى وضع الإبر وملحقاتها في براميل بلاستيكية صغيرة، ونقوم بطمرها في أماكن خاصة بعيدة جداً عن السكن، ولا تصلح للزراعة، وهي على بساطتها وسيلة للتخلص الآمن من المخلفات الطبية، والخطورة تتمثل في عبث العابرين بهذه الأدوات عن طريق المصادفة، ولذلك لا بد من إيجاد المطمر الملائم لذلك

يؤكد المهندس الطبي "أكرم غانم" المختص في هذا المجال، والذي قدم بحثاً متكاملاً عن هذا الموضوع إلى مؤتمر البيئة الأول الذي انعقد في شهر أيار الماضي في محافظة "السويداء" لموقع eSuweda عن مصدر تلك النفايات، بالقول: «إن تلك النفايات مصدرها المريض نفسه، فهي قد تحتوي على مسببات المرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها، إضافة إلى أن هناك عدم رضا وتحسسا كبيرا من رؤية نفايات المؤسسات الصحية وهي تحتوي على بقايا بشرية من مخلفات العمليات أو بقايا دماء ملوثة هنا وهناك.

النفايات الطبية في أجهزة التعقيم الخاصة بمشفى الباسل

وبما أن نسبة النفايات الطبية هي حوالي 20% من النفايات العامة في المنشأة الطبية وأن تلك النفايات في المحافظة تخلط مع النفايات العامة وترمى جميعها في مكبات مفتوحة دون أي إدارة أو إجراء يذكر، الأمر دعاني إلى تقديم بحث عملي ومدروس لإدارة النفايات الطبية الصلبة في محافظة "السويداء" بعد أن أسميت البحث (التخلص الآمن والسليم من النفايات الطبية الصلبة في المحافظة)، وهو يقوم على فرضية تخفيض نسبة المخاطر الصحية الناتجة عن النفايات الطبية الصلبة في محافظة "السويداء" إلى حوالي 10% من النسب العالمية».

وعن أهم الخطوات المتبعة من أجل علاج النفايات قال "غانم": «إن فصل كل نوع من النفايات الطبية عند مصدر تولدها (مخلفات معدية- آلات حادة- مخلفات باثولوجية) حتى يمكن التعامل مع كل نوع منها داخل المنشأة الطبية بالطريقة الآمنة، ووضعها في أكياس وحاويات ملونة خاصة وتخزينها داخل حرم المنشأة الطبية في مكان مغلق لمدة لا تزيد على 48 ساعة وبعد ذلك نقلها عبر وسيلة نقل خاصة إلى المكب العام وطمرها ومنع حرقها ووصول النباشين إليها. وإحلال المواد الكيميائية الخطرة بأخرى أقل خطورة والتعامل مع مخلفات هذه المواد للحد من خطورتها قبل صرفها إلى شبكات المجاري، والتخلص من النفايات الدوائية بطريقة الكبسلة.

مكان تجمع مياه مشفى صلخد العادمة

ومعالجة النفايات شديدة العدوى بالأوتوكلاف الموجود في كل مشفى ومخبر، من خلال إجراءات إدارية وقانونية وتطبيق بعض مواد القانون رقم 49 لعام 2004.

وتشكيل فريق عمل لإدارة النفايات الطبية في المحافظة، وإقامة حملات توعية شعبية شاملة بمشاركة الجمعيات الأهلية والمنظمات الشعبية، والتعاون مع مجالس المدن والبلديات وكل الجهات الإدارية المعنية بهذا الأمر، وإلزام الحلاقين ومراكز التجميل في المحافظة بتعقيم أدواتهم، وتكثيف الجولات الرقابية على عيادات الأطباء والمشافي الخاصة والعامة للتأكد من تعقيم معداتهم، وجود إدارة خاصة بالنفايات الطبية في كل مشفى لديها الإمكانات الفنية لممارسة دورها في تنظيم إدارة النفايات بالشكل الأمثل، وتحصين جميع العاملين في تداول النفايات الطبية ضد التهاب الكبد والكزاز واستخدام العمال معدات الوقاية الشخصية والمعالجة بعد التعرض.

أثناء حملات اللقاح الوطني يتم صهر رأس إبرة المحقنة عن طريق جهاز صهر خاص، وكذلك في المنشآت الطبية التي يتولد عندها معظم النفايات من المحقنة».

ويتلخص الهدف البعيد بالإضافة إلى الخطوات السابقة الذكر، يتم إجراء خطوات على غاية من الأهمية كما أكد "غانم"، وهي:

«1- إنشاء مكان للتخزين المركزي للنفايات الطبية الصلبة ضمن حرم المنشأة الطبية ذي مواصفات خاصة، وتخصيص مصعد خاص لنقل النفايات الطبية غير المخصص للزوار والعاملين في بالمشفى، وإعادة النظر في جميع المواد المستهلكة في المشافي، وإيجاد البدائل الصديقة للبيئة واتباع سياسة تقليل النفايات في المصدر، وإجراء كشف دوري على جميع العاملين في مجال النفايات الطبية للكشف عن الأمراض التي تظهر لديهم، وتسجيل النتائج في سجلات خاصة لتطوير وتحسين إدارة النفايات الطبية.

2- تأمين آليات مع طاقمها لجمع وترحيل النفايات الطبية الصلبة ذات مواصفات خاصة ووفق قواعد التعامل مع النفايات الطبية الصلبة.

3- معالجة النفايات الطبية الصلبة عن طريق جهاز التعقيم بالبخار الرطب المزود بفرامة وبدرجة حرارة لا تقل عن 138 درجة مئوية وضغط لا يقل عن 3.8 بارات.

4- إنشاء مطمر صحي نظامي ذي مواصفات خاصة ومدروسة لحماية المياه الجوفية».

أما عن أهم المقترحات التي دونها المهندس "غانم" وأوصى بتطبيقها فهي: «1- قيام فريق إدارة النفايات الطبية بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية وان يتبع إلى السيد المحافظ مباشرة.

2- تعميم البحث على كافة محافظات القطر، وإغلاق محارق النفايات الطبية العاملة في سورية.

3- أن تقوم دائرة النفايات الصلبة في المحافظة بالبدء بتنفيذ برنامج المعالجة فورا وتعديل الدراسة المقدمة لوحدة معالجة النفايات الطبية الصلبة.

4- التركيز على الإعلام ودورة في التوعية البيئية.

5- الاستفادة القصوى من المنح المقدمة من الدول والمنظمات غير الحكومية لدعم مشاريع بيئية».

وتعتبر تجربة مشفى "الباسل" في مدينة "صلخد" نموذجاً حياً لمعالجة النفايات الطبية، حيث قال مدير المشفى الدكتور "سعيد العفلق" لموقعنا عن هذا الموضوع: «إن معالجة النفايات بشكل عام من المعضلات التي تواجه البشرية، والتي لم يتم إعطاؤها الأهمية المناسبة، حتى وقت قريب، إلى أن وصلت البشرية إلى مرحلة يقاس تطور مجتمعاتها بحسن تعاملها مع النفايات.

وغني عن القول إن تطور البيئة الصحية لبعض المجتمعات ونقص بعض الأمراض واختفاء بعضها ناتج عن الإصحاح البيئي والتعامل مع النفايات البشرية السائلة والصلبة. وتكاد تكون النفايات الطبية ومعالجتها من الموضوعات المهمة التي تواجه إدارة النظم الصحية والتي أيضاً لم تعط سابقاً الأهمية اللازمة، وإلى الآن هناك عدد قليل من المنشآت الصحية التي تولي موضوع النفايات الطبية ومعالجتها الأهمية المناسبة أو القيام بأي إجراء بهذا الخصوص.

وبتوافر جهازين لتعقيم النفايات بمشفى "الباسل" في مدينة "صلخد" تم اعتماد إستراتيجية وأسس لتصنيف وفرز النفايات الطبية بالمشفى، والقيام بمعالجة النفايات وإزالتها ورميها في الحاويات بطرق علمية واتباع وسائل الأمن والسلامة للمنشأة والأفراد الذين يقومون بالتعامل الجيد مع النفايات، وأعتقد أن تجربة المشفى بعماله المدربين على العمل كانت ناجحة بكل المقاييس، ونحن بانتظار وضع محطة المعالجة الخاصة بالمياه العادمة للتخلص الآمن من هذه المياه، علماً أن المحطة التي توقفت عن العمل عام 2008 لم تكن موضوعة خصيصاً للمشفى، وكانت كل مياه المدينة تصب فيها ما جعلها عرضة للتوقف».

الدكتور "غسان منذر" الذي يعمل في عيادة خاصة بقرية "الجنينة" أجاب عن سؤال موقعنا حول كيفية تخلصه من النفايات الطبية بالقول: «لعدم وجود مطمر مخصص لهذه النفايات، فإن أغلبية الأطباء في "السويداء" يعمدون إلى وضع الإبر وملحقاتها في براميل بلاستيكية صغيرة، ونقوم بطمرها في أماكن خاصة بعيدة جداً عن السكن، ولا تصلح للزراعة، وهي على بساطتها وسيلة للتخلص الآمن من المخلفات الطبية، والخطورة تتمثل في عبث العابرين بهذه الأدوات عن طريق المصادفة، ولذلك لا بد من إيجاد المطمر الملائم لذلك».

والجدير بالذكر أن خطة وطنية لإنشاء مطامر ومحطات معالجة قد أقرت مؤخراً، وأكد وزير الإدارة المحلية الدكتور "تامر الحجة" في مؤتمر الاستثمار للمنطقة الجنوبية، أن الوزارة أقرت إنشاء مجموعة من المطامر في المنطقة منها مطمراً في بلدة "عريقة".

وهناك مشروع النفايات الصلبة ومحطات المعالجة الذي دخل حيز التنفيذ خلال الخطة الخمسية الحادية عشرة.