"طرطوس" بؤرة المتة، والمصاصة سلاح أهل "طرطوس" وغيرها من المصطلحات الكثيرة التي أطلقها الطراطسة على أنفسهم معبرين عن حبهم الشديد للمتة، هذا المشروب العجيب الذي أدمنه أهالي "طرطوس"، ولا تعتقدوا أن الأمر مجرد إشاعة عابرة بل هو حقيقة واقعة حتى باتت المتة الشعار الطرطوسي بامتياز.
وتختلف عادات شرب المتة في "طرطوس" عن باقي المحافظات السورية، فلها طقوس خاصة حدثتنا عنها السيدة "عربية مصطفى" وعمرها ثمانون عاما من قرية "ميعار شاكر" بقولها: «الماء المخصص للمتة يجب أن يكون مغليا جدا ويجب أن يحافظ على معدل سخونته طوال فترة الشرب».
وطبعا وباعتباركم جريدة الكترونية سنعتبر أن القانون قد عمم وعلى الجميع التقيد به
والدهشة الحقيقية ستبدأ بمجرد أن نسمع من الجدة "مصطفى" عن علاقتها مع مشروب المتة حيث تقول:
«أستيقظ في الخامسة صباحا لأحلب البقرات وطبعا أول ما أفعله هو أن أسخن إبريق المتة وأشرب كأسين أو ثلاثة ومع الشرب آكل قطعة خبز، فيكون هذا فطوري ومن ثم وبعد أن أنتهي من عملي أرجع وأسخن الإبريق لأشرب متة الصباح مع جاراتي وتظل كأس المتة حاضرة حتى أنام ولكني أبدلها أربع أو خمس مرات يوميا ولو خيروني بين اللحم والمتة لاخترت المتة فهي تعطيني طاقة كبيرة».
ويقول الشاب "موسى سليمان" من "طرطوس": «أنا مدمن متة ولا أستطيع تخيل حياتي دونها فهي المشروب المفضل للجميع عندنا، وإذا ما سأل أحد سكان محافظة "طرطوس" ما هي زمرة دمك فسيجيب ودون تفكير o متة أو A متة أو B متة يا دكتور!».
وفي العمل يرافق مشروب المتة الموظفين منذ بداية نهارهم ويخبرنا السيد "علي قدور" وهو موظف في المركز الإذاعي والتلفزيوني في "طرطوس":
«من أول الدوام ننقع كاس المتة ونخبئها جيدا كي لا يراها المدير فهو لا يسمح لنا بشرب المتة في العمل، ولكن هيهات فمن هو الطرطوسي الذي يستطيع البقاء نصف ساعة دون كأس متة ساخن؟ ولذلك تجدون أغلب الموظفين في المركز وقد خبؤوا كؤوسهم جيدا كي لا يفتضح أمرهم».
ومن نطاق الوظيفة نخرج إلى كراج "طرطوس" حيث يقوم السائقون والباعة بتسخين الإبريق ونقع الكاسات لتمضية أوقاتهم، ويحدثنا السيد "اسماعيل حلوم" وهو بائع خضراوات في الكراج:
«نمضي كل نهارنا هنا في سوق الكراج ولا تتوقعون منا أن نمضيه بلا متة ولذلك فإننا نصطحب معنا غازا صغيرا وعدة المتة ونبدأ الشرب منذ اللحظة الأولى التي نفتح فيها المحل».
وحتى إن المتة دخلت عالم الشعر وألف الطراطسة القصائد الشعرية يغازلون بها هذا المشروب ومنها هذه الكلمات التي أخبرنا عنها السيد "مهند علوش" دون أن يعرف مصدرها بل هي بعض مما يتناقله الشباب في "طرطوس":
«حول عالمته ياجار
لساتا بأول نقعه
عمترغي متل الصابون
شاطر انا بهالصنعه
بلحّق عالكل ومابمل
وعالنسوان المجتمعه
ما بتقطع ابدا بالمره
خدلك شي كاسه مره
حاجه مقضاها تفكير
بالجوال والفواتير
والخضره وهم الولاد
حاجتنا شقا وتعتير
المته كلها فوايد
بتشيل الهم الزايد
لولا انك ما تشرشر
ومبقع كل هدومك
ابريق بضهر ابريق
من لمّا بتصحى من نومك
وبتشرب مته عالريق
مفكر بتروح همومك».
وهناك أيضا قصيدة أخرى تنسب للشاعر "ابن أبي مصاصة" وهو اختراع "طرطوسي" يقول فيها:
خضراء يابسة قد بت أهواها
بالكأس أملؤها والماء نداها
كوب من المتة والليل يجمعنا
وحبيبتي قربي والكأس رواها
أهواك يا متة وماؤها الدافئ
وسكر أبيض كالثلج حلاها
البزر والمتة وعيون من أهوى
أهوى ثلاثتهم بل أنت أغلاها
لا ترحل أبدا بلدا بلا متة
وانزل بلا ندم إن كنت تلقاها
واجعل بحوزتك مصاصة دوما
لا أنت لي خلا إن كنت تنساها
لا تترك المتة إن لم تكن قطعت
أما إذا قطعت فجدد محياها
طوبى لمن متت طوبى لمن حلى
طوبى لمن نادته كأس فلباها
وسنت القوانين الناظمة لأصول شرب المتة والتعامل معها كما يخبرنا السيد "عدنان وسوف": «هذه النهفة عن المتة سمعت بها من أحد أصدقائي ولا نعرف من ألفها ولكنها تندرج في إطار المزاح وهي خاصة في قوانين المتة وتقول النهفة: يُمنع التعرض للشخص الذي يتولى صب المتة عبر تقديم اللوم إليه أو انتقاده أو ما شابه، ولكل شخص موجود داخل الغرفة الحق في الحصول على نصيبه العادل من المتة، يبدأ الدور طبعاً من اليمين إلا إذا كان أبو جابر على اليسار في ما عدا الحالات الاستثنائية والتي تحدد في حينها، على الفرد الذي يقوم بتسخين إبريق الماء أن يبقيه أمامه كي لا يغلي، وأقصى مدة لبقاء القرعة "الكأس" مع المستفيد المباشر من المتة هو 3 دقائق 27 ثانية، وتعتبر مشروب الضيافة الاول وتلقب بكأس الواجب».
وتابع مازحا: «وطبعا وباعتباركم جريدة الكترونية سنعتبر أن القانون قد عمم وعلى الجميع التقيد به».
ولأن أهل "طرطوس" مبدعون ومبتكرون فقد اخترعوا إلى جانب مصطلحات المتة والقوانين الخاصة بها والقصائد الشعرية طرقاً جديدة لشربها، ففي حال كنت مصابا بالزكام اشرب المتة مع الليمون وفي حال التهاب البلعوم اشربها مع العسل، وإن لم تكن لك قابلية على الإفطار فاشربها مع الحليب والعسل!