«يعتبر تأمين المقنن العلفي، وتوفير المراعي الطبيعية الدائمة للقطعان، هاجساً دائماً لمربي الثروة الحيوانية في محافظة "الرقة"، وخاصة بعد سنوات الجفاف التي أثرت على الغطاء النباتي في "البادية"، والمؤسسة العامة للأعلاف تعدّ نفسها مسؤولة عن تأمين جزء من حاجة القطيع، وعلى المربي أن يؤمن باقي احتياج قطيعه، من خلال الاستفادة من بقايا المحاصيل، وتخزينها، وإعادة تصنيعها.

عمّمت هيئة البحوث العلمية تجاربها في تصنيع الخلائط العلفية، وسعت لتعريف المربي بالطرق العلمية للاستفادة من بقايا المحاصيل، وعدم حرقها، وإدخالها في العليقة العلفية، وتعاونت مع المربين في إرشادهم لطرائق التصنيع بإشراف مختصين، وتبيّن من خلال التجربة، أن الخلطات العلفية المركّزة، تساهم في زيادة إنتاجية اللحوم والحليب، وتحقق معدلات نمو مرتفعة للقطيع، وتزيد من حالات الولادات التوأمية».

عند تصنيع "السيلاج" من عروش الفول السوداني والفول العادي والبسلة، يتم إتباع الخطوات السابقة المذكورة، مع مراعاة عدم إضافة القش أو التبن للخلطة، حيث تكبس كل طبقة جيداً وتستكمل طريقة التصنيع كما أسلفنا. وأثناء تحضير "السيلاج" من الشوندر العلفي، يتم أولاً فصل العروش عن الجذور، ويترك الشوندر لمدة أسبوع في مكانٍ جيد التهوية، على أن يكون بعيداً عن ضوء الشمس، وذلك لتقليل نسبة الماء، ثم يقطّع بآلة خاصة، وتخلط الأجزاء المقطّعة بتبن القمح أو الفول أو حطب الذرة، وذلك لزيادة المادة الجافة، ولتشرّب العصارة الناتجة عن الشوندر، ثم تغطى المكمورة بعد الانتهاء من إعدادها بالبلاستيك بإحكام، ثم بالتراب، وتكبس جيداً لضمان عدم وجود الهواء داخل المكمورة

ذكر ذلك المربي "محمد العبو"، من أهالي محافظة "الرقة"، وهو يتحدث لموقع eRaqqa عن تجارب تصنيع الأعلاف المركّزة، ودور هيئة البحوث العلمية في نشر التجربة لدى المربين وتعميمها.

صناعة السيلاج

المهندس "يحيى الرمضان"، مدير محطة بحوث "بئر الهشم" لتربية وتحسين أغنام العواس، تحدث عن تجربة تصنيع مادة "السيلاج"، قائلاً: «يعرّف "السيلاج" بأنه ناتج حفظ محاصيل الأعلاف الخضراء ذات محتوى الرطوبة العالي، وذلك بتخميرها تحت ظروف لا هوائية للحفاظ على قيمتها الغذائية، دون تعرّضها للتعفن والفساد، ويتميز بتقليله الفاقد الناتج عن التخزين الجاف، واحتفاظه بنسب أعلى من الطاقة والبروتين، ويمكن صناعته من المحاصيل الخضراء التي يصعب استخدامها في بحالتها الطازجة.

يمكن عند تحضير "السيلاج" إضافة بعض المكملات العلفية للحصول على أعلاف أكثر اتزاناً من الناحية الغذائية، وإمكانية تصنيعه في أي وقت من السنة، وبكلف قليلة، وهو من الخلطات التي تستسيغها الحيوانات وتقبل عليها، مما يزيد من إنتاجيتها من اللحوم والحليب، ويقلل من انتشار الحشائش في الأراضي الزراعية، لأن بذور الحشائش تفقد قدرتها على الإنبات عند وجودها في "السيلاج"، وهو يؤدي إلى إخلاء الأرض مبكراً، وبالتالي يمكن زراعة عروة أخرى في نفس المساحة، ويخلّص البيئة الزراعية من الحطب الذي يعتبر مصدر للحرائق والآفات، وهذا بدوره يعمل على تقليل تلوث البيئة، ويمكن حفظ "السيلاج" لفترة طويلة من الزمن بحالة جيدة، دون حدوث فقد في المواد الغذائية».

مستودع أعلاف في المحطة

وعن المواد التي يحضّر منها "السيلاج"، وكلفه الاقتصادية المتدنّية، يتابع "الرمضان" حديثه، قائلاً: «يمكن أن يحضّر "السيلاج" من أية مادة علفية خضراء تستخدم في تغذية الحيوان، كالذرة الصفراء والبيضاء وأوراق القطن وسواها، كما أن بعض النباتات التي لا تقبل عليها الحيوانات في حالتها الطازجة، يمكن أن تكون أكثر استساغة عند سيلجتها، وتبيّن لنا من خلال التجربة أن تصنيع "السيلاج"، يخفّض معدل تغذية الحيوان إلى النصف تقريباً، فالكغ الواحد من "السيلاج" تقارب كلفته ليرتان، ويحتاج الرأس الواحد إلى ثلاثة كيلو غرامات من المادة تقريباً، مع إضافة /250/غ من الكسبة، ليصبح مجموع الكلفة نحو سبع ليرات سورية، بينما تصل كلفة التغذية بالأعلاف المركزة إلى خمسة عشر ليرة للرأس الواحد.

عند المقارنة بين اقتصاديات التغذية، وطبقاً للأبحاث المختلفة، نجد أن العليقة المحتوية على "سيلاج" عيدان الذرة الخضراء، هي الأفضل، والأكثر اقتصاداً، مقارنة بالعلائق المحتوية على قش الأرز، أو عيدان الذرة الجافة، فقد قلل استخدام "سيلاج" عيدان الذرة الخضراء من تكاليف التغذية بمقدار /29%/، مقارنة بالعلائق المحتوية على قش الأرز أو عيدان الذرة الجافة التي قللت من التكاليف بمقدار /27%/».

حفظ بقايا المحاصيل

وحول طريقة تصنيع مادة "السيلاج"، تحدث المهندس "محمد سلو"، رئيس شعبة التغذية في المحطة، قائلاً: «عند تصنيع "السيلاج" نقوم أولاً باختيار المكان الملائم، حيث يتم إعداد حفرة مناسبة للكمية المراد تصنيعها، ثم تُغطى أرضية الحفرة بالبلاستيك العازل، ثم تمد طبقة من القش أو التبن أو حطب الذرة المفروم بسماكة /30/ سم تقريباً، وذلك تفادياً لتلوث "السيلاج"، ولامتصاص العصارات الناتجة أثناء عملية التخمير، ثم نقوم بمد العلف الأخضر الذي تم اختياره على شكل طبقات تعزل بمادة التبن، ثم تكبس كل طبقة وترص بشكل جيد، لتحقيق تماسك الخلطة وطرد الغازات والهواء، وترش كل طبقة بمادة "المولاس" أو الذرة المطحونة، وذلك بمعدل من /30/ ـ /50/ كغ لكل طن من العلف الأخضر.

بعد الانتهاء من رص الكمية المراد إعدادها، تُغطى الكومة بالبلاستيك، ثم بطبقة من التراب بسماكة /20/سم، ثم تكبس بعد ذلك بالجرار الزراعي، وذلك لضمان عدم وجود هواء داخل المكمورة أو الكومة، وتترك الكومة من /6/ ـ /8/ أسابيع، وتفتح بعد ذلك بإزالة جزء من التراب والبلاستيك بحذر، وتؤخذ الكمية اليومية المطلوبة والمحسوبة للحيوانات، ثم تغلق ثانياً بالبلاستك لمنع تعرض العليقة للهواء وتعفنها».

وعن طرائق تصنيع "السيلاج" من المجموع الخضري للفول والشوندر، يتابع "سلو" حديثه، قائلاً: «عند تصنيع "السيلاج" من عروش الفول السوداني والفول العادي والبسلة، يتم إتباع الخطوات السابقة المذكورة، مع مراعاة عدم إضافة القش أو التبن للخلطة، حيث تكبس كل طبقة جيداً وتستكمل طريقة التصنيع كما أسلفنا.

وأثناء تحضير "السيلاج" من الشوندر العلفي، يتم أولاً فصل العروش عن الجذور، ويترك الشوندر لمدة أسبوع في مكانٍ جيد التهوية، على أن يكون بعيداً عن ضوء الشمس، وذلك لتقليل نسبة الماء، ثم يقطّع بآلة خاصة، وتخلط الأجزاء المقطّعة بتبن القمح أو الفول أو حطب الذرة، وذلك لزيادة المادة الجافة، ولتشرّب العصارة الناتجة عن الشوندر، ثم تغطى المكمورة بعد الانتهاء من إعدادها بالبلاستيك بإحكام، ثم بالتراب، وتكبس جيداً لضمان عدم وجود الهواء داخل المكمورة».

ويختتم مدير المحطة حديثه، قائلاً: «يقوم مهندسو المحطة بإجراء تجارب دائمة لمعرفة مدى ملاءمة نظام غذائي معيّن على نمو الحيوان وإنتاجيته من اللحم والحليب، وعند نجاح التجربة نقوم باعتمادها وتطبيقها ونشرها بين المربين، كل ذلك بهدف الوصول إلى الخلطات العلفية التي تحقق التكامل الغذائي للحيوان، وتزيد من إنتاجيته، وتقلل من إصابته بالعوامل الممرضة المختلفة، حيث نقوم بوزن الحيوانات المراد تطبيق التجربة عليها، ونأخذ معدلات إنتاجها من الحليب، وذلك قبل بدء التجربة وعند الانتهاء منها، وحينها نعرف مدى نجاح التجربة أو فشلها.

سعينا في الآونة الأخيرة للاستفادة من بقايا المحاصيل، وكانت لنا تجربتنا الرائدة في هذا المجال، فبعد حصاد حقول القمح والشعير، يقوم الفلاح عادة بحرق بقايا المحصول، لزراعة المحاصيل التكثيفية، وتتلخّص التجربة التي قمنا بها في شراء آلة زراعية يجرها جرار زراعي، تقوم بحصد هذه البقايا، وتجميعها، ورصها على شكل بالات مستطيلة الشكل، وبذلك نتخلص من معيقات تنفيذ خطة المحاصيل التكثيفية من جهة، ونؤمن حاجة القطيع من الدريس الناتج من جهة ثانية».