«منذ أن وطأت قدماي أرض المملكة السعودية، أحسست بأن سورية الحبيبة كلّها، تزداد كبراً في نفسي، وبأنها تسكن في قلبي، وهذا إحساس لا يمكن وصفه بكلمات عابرة، لأن البلد هي الأغلى، والأجمل، والأحلى، وهي الأنفاس التي تتردد في الصدور، وهي الحياة بحلوها ومرها، ولكن ما باليد حيلة، إنها مأساة الكثير من المهندسين السوريين الذين يقدمون عصارة علمهم وجهدهم خارج بلدهم».

بهذه الكلمات يستهل المهندس "مصطفى الحمد" حديثه لموقع eRaqqa بالرسالة التي أرسلها لنا بتاريخ (5/12/2009) عبر الإنترنيت، يعبر من خلالها عن محنته بديار الغربة، وماذا يعني الوطن له؟ وهو يعيش بعيداً عن الأهل والأحبة.

ما أعجبني في الإنشاءات الهندسية وكافة تطبيقاتها في المملكة السعودية، هو التقييد التام والكامل بالمواصفات والمقاييس العالمية، والتأكيد على المراقبة الدقيقة في تنفيذ المواصفات الهندسية الحديثة، وهذا للأسف غير متوفر في بلادنا، وإن توفر فعلى نطاق ضيق ومحدود، وذلك لضعف القطاع الخاص، وعدم قدرته على ملاحقة ومنافسة القطاع العام

ويتابع في السياق ذاته، قائلاً: «تحسين وضعي المادي، كان السبب الرئيسي وراء سفري إلى السعودية، إضافة إلى إحساسي المتعاظم بأن الغربة مصنع الرجال، وإنها توفر فرصة عظيمة للاطلاع على خبرات ومعلومات الآخرين في مجال الهندسة، والتطور الذي تشهده بلدان الخليج العربي في شتى المجالات. وإتاحة الفرصة للالتحاق بركب التكنولوجيا الحديثة، وذلك من خلال التطلع للمنافسة الحقيقية في مجال الهندسة الواسع.

ما أدهشني في الغربة هو المستوى الرائع للمهندس السوري، وإبداعاته الكبيرة في جميع الأعمال التي توكل إليه، وثقة أصحاب العمل بمردوده وعطائه، ودقته في الإنجاز، وقدرته على تمثل الحالة التي يواجهها بجل أعماله».

وعن أوضاع المهندس في سورية، يقول "الحمد": «كان ما يحزنني ومازال هو عجز المهندس السوري عن العطاء في بلده، بسبب الدخل المادي المحدود، وضعف أداء القطاع الخاص، الذي من الممكن أن يساهم بالارتقاء بوظيفة المهندس، وتحسين دخله، لذا ما أتمناه أن تهتم الجهات المعنية، وعلى رأسها نقابة المهندسين المركزية بالتطلع إلى تحسين وضع المهندس السوري، والمحافظة عليه، وتطوير أدواته، والارتقاء بمهنة المهندس، ليكون عطاءه لبلده أولاً وأخيراً. وأن توضع أسس هندسية صحيحة للمقاييس، والمواصفات في كافة الأعمال الإنشائية والصناعية، وذلك من خلال وضع أسس صحيحة للعلوم الهندسية، وحصر هذه الأعمال بيد المهندسين المختصين، وعدم اللجوء إلى أسلوب كسر الأسعار والتخفيض على حساب المواصفات الفنية، وجودة العمل.

في بلدنا أيضاً تتم عمليات الحسم المادية في الإنشاءات إذا كانت هناك مخالفات في المواصفات، بينما هنا تتم بإزالة المخالفة، والعودة إلى المواصفات الحقيقة، الموجودة في المخططات، وبالتالي لا يمكن التلاعب بالمواصفات الفنية، لأنها تدفع المقاول إلى تكبد خسائر كبيرة هو بغنى عنها.

باختصار شديد جداً، نستطيع القول بما أن بلدنا يسير نحو التطوير والتحديث، وقاعدته الرئيسة المهندس في كافة الاختصاصات، لذلك إذا أردنا الوصول إلى نتائج جيدة، يجب أن يُعاد النظر في المستوى المعيشي للمهندس ليكون قادراً على العطاء بالشكل الأمثل».

وعن مشاهداته الهندسية في السعودية، يقول: «ما أعجبني في الإنشاءات الهندسية وكافة تطبيقاتها في المملكة السعودية، هو التقييد التام والكامل بالمواصفات والمقاييس العالمية، والتأكيد على المراقبة الدقيقة في تنفيذ المواصفات الهندسية الحديثة، وهذا للأسف غير متوفر في بلادنا، وإن توفر فعلى نطاق ضيق ومحدود، وذلك لضعف القطاع الخاص، وعدم قدرته على ملاحقة ومنافسة القطاع العام».

وعن تجربته الاغترابية، يقول "الحمد": «تجربتي الاغترابية على صعيد العمل، أكسبتني الإطلاع على واقع علمي حديث، ويسعى إلى التطور المستمر، هذا على مستوى العمل الهندسي، وخاصة من ناحية الدقة في إعداد التصاميم والدراسات الهندسية الاحترافية، وتطبيق أسس العلوم الهندسية الحديثة من خلال توافر مستلزمات التكنولوجيا الحديثة.

أما الطرف الآخر من التجربة الاغترابية، وهو ابتعادي عن أسرتي وأهلي، وأصدقائي، فهو يشغل الهم الأول في نفسي، ولعل تحسين ظرفي المادي، سيساعدني للعودة إلى دياري في القريب العاجل، وعندها أستطيع أن أفتتح مكتباً هندسياً عصرياً، يمكنني من العيش في وطني بشكل جيد».

يذكر بأن المهندس "مصطفى الحمد" من مواليد "الرقة"، عام /1964/، تخرج من جامعة "حلب"، كلية الهندسة الميكانيكية، قسم التصميم والإنتاج في عام /1993/، وعمل منذ تخرجه في مديرية زراعة "الرقة"، وشغل العديد من المناصب الإدارية والفنية، آخرها رئيساً لدائرة النقل والميكانيك، قبل أن يسافر إلى السعودية، ويعمل في مدينة "أبها"، مسؤولاً عن التكييف والتبريد في أحد المشاريع المهمة هناك، كما كان يعمل خبيراً لحوادث السير والأعمال الميكانيكية في وزارة العدل، دائرة القضاء في "الرقة" في عام /1998/. وأخيراً، ونظراً لنجاحه في مجال عمله الهندسي، وتقديراً لجهوده في خدمة مهنة الهندسة، فقد قامت نقابة المهندسين السوريين بتكريمه في يوم المهندس العربي وذلك في عام /2007/.