«كان ذلك في عام 1940 عندما صحبني أطفال القرية إلى الكتّاب وهو منزل الحاج المرحوم "يوسف عبد الهادي العمر" في "كفرنبل" حالياً، في حارة باتت الأقدم في"كفرنبل" وكان المدرس من مدينة "حلب" واسمه "بهاء الدين الجابري" وكان يدرّس الحساب والرسم والقراءة والقرآن الكريم». والكلام للحاج "محمد البيوش" وهو الرجل ابن الــ 78 عاماً والذي درس في المدرسة الأقدم في "كفرنبل" الذي أضاف لموقع eIdleb ضاحكاً:
«عندما دخلت المدرسة المرة الأولى كان الطلاب في درس الرسم وكان المدرس يطلب منهم رسم عصفور على غصن شجرة فطلب مني الرسم، فرسمت عصفوراً جميلاً وهذا الكلام قبل 69 عاماً، فكافأني المدرس بالجلوس على مقعد خشبي بعد أن كنت أجلس على علبة فارغة لأن نظام الترتيب كان في المدرسة الأوائل يجلسون على الكرسي الخشبي، ودرست الصف الأول والثاني فقط وكنت مجتهداً كثيراً».
باعنا "شعبان" شعيراً عتيقاً.... وطحن الشعير في مطحنة حمدان... ما أجمل الخير في بلادي الجميلة
وعن المدرسة ووما تتألف أضاف: «المدرسة كانت عبارة عن غرفتين من الطين مفتوحتين على بعضهما البعض، وكان هناك صف أول يدرس فيه قرابة (45 طالب) وصف ثاني يدرس فيه حوالي (35 طالب)، وكنا ندرس الصف الأول والثاني في "كفرنبل" فقط ثم يذهب الأوائل للدراسة في "حماة" أو "المعرة"، وأذكر أنه ذهب يدرس في "حماة السيد "فضل العبيدو" والمرحوم "أحمد الرستم" وكذلك الأستاذ "أحمد الخطيب" الذي أكمل دراسته وأصبح وقتها وزيراً للتربية السورية».
يتنهد "البيوش" قليللاً ثم يبتسم ويقول: «لا زلت أذكر كيف دخلت المدرسة للمرة الأولى بخجل وخوف، ولكن أنا على يقين أن التدريس أيام زمان كان رائعاً جداً وفيه من الأمانة ما يعادل مال الدنيا».
الكثير من أبناء مدينة "كفرنبل" يعرفون أن مدرسة "أبي بكر الصديق" والتي تأسست عام 1943 هي أقدم مدرسة ولكن كلام أبو صطيف "محمد البيوش" نفى ذلك خاصة وبعد أن أثار الموضوع جدل وفضول الكثير من أبناء المدينة، ولدى جولتنا لتبيان حقيقة غامضة التقينا الحاج "إبراهيم الخضر" وفعلاً عندما طلبنا منه أن يحدثنا عن هذه المدرسة قال "الخضر" ضحاكاً متحسراً على ذكريات طفولة مضى عليها عمر بكامل ثم قال: «باعنا "شعبان" شعيراً عتيقاً.... وطحن الشعير في مطحنة حمدان... ما أجمل الخير في بلادي الجميلة»، ثم قال: «هذا مطلع من درس قراءة لا زلت أذكره فالمدرس "الجابري" كان يعطينا الدروس بما يناسب بيئتنا الريفية فيدخل الشعير والقمح حتى لا نرتبك في الدروس».
وعن دراسته في المدرسة يقول الحاج "إبراهيم": «كان والدي صديق المدرس في المدرسة وهي فعلا مدرسة قديمة وتعد الأقدم في "كفرنبل" كما قال لنا والدي وهي الآن ملك أولاد المرحوم "يوسف العمر"، ومازالت للحظة أذكر عندما كان المدرس يسهر عندنا في المنزل كنت أخاف كثيراً منه لأن مستواي في المدرسة لم يكن جيد على خلاف بعض الطلاب»، يتنهد الحاج "إبراهيم" تنهيدة عميقة ثم يقول: «لازلت أذكر عندما كان المدرس يدلل الطلاب المجتهدين أمثال "محمد البيوش"، "فضل العبيدو" وغيرهم كنا نغار جداً جداً منهم».
مدرسة "يوسف العبد الهادي العمر" واحدة من المعالم الكثيرة التي لم يكشف النقاب عنها بعد في مدينة حافلة بالأماكن والحكايات التي ترقى إلى الزمن القديم التي يستخدمها الطلاب وبقليل من الأوراق من بعض الأكياس الورقية أبدع الطلاب وتعلموا أصول الحساب والجمع والطرح وتلاوة القرآن الكريم والرسم كما ذكر لنا "محمد بيوش".
رحلتنا التي امتدت 69عاماً في التاريخ انتهت وآن للشراع أن يعود بنا إلى 2009 إلا أننا يجب أن نقول أن "كفرنبل" آنذاك كان عدد سكانها 2000 نسمة أما الآن فالعدد قارب 40 ألف نسمة وصارت تحتضن 6 مدارس ابتدائية حلقة أولى وثلاثة حلقة ثانية وثانوية صناعية وثانوية فنون نسويه وثانوية عامة للذكور وأخرى للإناث وثانوية زراعية قيد الإنشاء .