ربما سيعتبر يوماً أن بعض الأكلات الشعبية والتراثية ليست إلا دليلاً توثيقياً لتاريخ مدينة أو شعب، كلاً حسب عاداته وتقاليده، ومن الأكلات التراثية التي يشيع وجودها وكثرتها وزيادة الطلب عليها في مدينة دمشق ما يسمى "المعروك" المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشهر رمضان المبارك، فرغم أنها موجودة على مدار العام لكنها تملأ الأسواق وتطيب لها الأذواق بعد صوم يوم طويل، عمرها الذي يفوق 100 عام يدخلها بكل شرف في تصنيف الأغذية التاريخية إن صح التعبير.

وعن هذه الأكلة الرمضانية الشهيرة، موقع esyria بتاريخ 25/8/2009، التقى السيد "بلال حداد" صاحب مخبز لبيع "المعروك" في دمشق القديمة، والذي قال: «"المعروك" يقال له خبز رمضان، كما يسميه العامة، وهو من أطيب ما يؤكل خصوصاً في شهر رمضان الذي يكثر تحضيره فيه، والمعروك أكله شامية معروفة منذ أكثر من قرن، ومن أيام والدي وجدي يقال لهذه الأكلة التي هي بين الخبز والكعك- "المعروك"، ولقد جاءت كلمة "معروك" اشتقاقاً من "العرك" أي الخلط بشكل جيد حتى تصبح متماسكة، ففي القديم كان المعروك يحضراً يدوياً لعدم وجود آلة العجن وقتها».

نشتري أكلة المعروك لأنها طيبة، وظريفة خصوصاً في رمضان، ونحن فتحنا أعيننا على الدنيا ونعرف أن المعروك أكلة شعبية تقليدية يحبها ويعشقها الناس، وتكثر في رمضان

ثم قال: «تتكون عجينة المعروك التقليدية، من مادة الطحين المضاف إليه زيتاً نباتياً وقليلاً من السمنة والسكر والماء، حيث تعجن وتخلط جيداً، ثم تترك لمدة ساعة أو أكثر حتى تختمر وتصبح جاهزة للاستعمال، وبعد ذلك تفرد على "الصاجات" وتوزع حسب الحجم والوزن المطلوب، (فتتواجد أقراص المعروك بوزن ربع كيلو أو نصف كيلو أو كيلو)، ثم يرش على وجهها السمسم وتدخل إلى فرن الخبز حتى تنضج، حيث تدهن بالزيت حتى تبقى طرية ولامعة، وهناك أصناف متنوعة من المعروك مثل "الملوكي" وهو الذي يضاف إليه جوز الهند والزبيب وماء الزهر، هذا النوع مرغوب جداً في شهر رمضان لاحتوائه على السكر والطعم الحلو والفسق المبشور، حيث يشعر الصائم طيلة النهار بحاجة إلى هذا النوع المحلى كونه يكون قد فقد الكثير من "الحريرات"، أما النوع الثاني من المعروك فهو السادة وعلى وجهه السمسم وحبة البركة، في حين النوع الآخر هو المعروك بالعجوة وحديثاً ننتج نوعاً جديداً من المعروك لم يكن معروفاً من قبل وهو المعروك بالشوكولا المرغوب من قبل البعض».

السيد "بلال حداد"

وأضاف: «يكثر شراء المعروك في شهر رمضان، حيث يعتبر الأكلة الشعبية الرمضانية الأولى التي يرغبها الصغير والكبير والغني والفقير، ويكثر بيعه في هذا الشهر لكثرة حريراته وسعره العادي نسبياً، فترى العربات المتنقلة التي تعج بها الأسواق والشوارع والحارات ومراكز الانطلاق، وأجمل ما في الموضوع هو نداءات الباعة المميزة والمحببة لهذه الأكلة التراثية، حيث نسمع الباعة ينادون مثلاً، (أكل الملوك يا معروك)، (تازة يا معروك، طيب يامعروك)».

السيد "زاهر العلبي" أحد المارة في الشارع قال: «نشتري أكلة المعروك لأنها طيبة، وظريفة خصوصاً في رمضان، ونحن فتحنا أعيننا على الدنيا ونعرف أن المعروك أكلة شعبية تقليدية يحبها ويعشقها الناس، وتكثر في رمضان».

المعروك جاهز للأكل

أما السيدة "إلهام عرفان" فحدثتنا بقولها: «منذ أن كنا صغاراً ونحن نحب أن يكون المعروك موجوداً على مائدة الإفطار والسحور، والبعض يعد منه طبقاً طيباً وخفيفاً على المعدة، وذلك بأن نقطعه قطعاً صغيرة ونصب عليه الحليب الساخن ونحليه بالعسل والسكر، هذه تسمى في الشام "فتة حليب"».