"دمشق" وعلى امتداد تاريخها العظيم والمقدس، تحتوي على عدد من دور العبادة الإسلامية والمسيحية واليهودية، فلا تكاد تخلو منطقة من "دمشق" إلا وفيها معلم أو صرح أو مقام يكرس ويوثق الفترات التاريخية لسورية.

دور العبادة الإسلامية تحتل مكانة واسعة ضمن هذا الملتقى التاريخي، منها المعروف والمشهور عربياً وعالمياً، ومنها المغمور، ولكن على كلتا الحالتين يشكل كل مكان محوراً أساسياً مقدساً، بأبعاده الدينية والتاريخية والثقافية والسياحية.

الزاوية هي المكان الذي تقام فيه طقوس (الحضرة) التابعة للطريقة الرفاعية، والتي مازالت متبعة حتى الآن كل يوم أربعاء

مسجد "جوبر الكبير" أو "المسجد الكبير" والذي احتل مكانه عند نهاية السوق في شارع "الأصمعي" أحد أحياء "جوبر"، هو أحد المساجد الكثيرة في المنطقة، والذي يرجع بناؤه إلى عصور إسلامية خلت، للوقوف على تفاصيل أكثر تحدثنا إلى إمام المسجد الشيخ "عبد الناصر فيومي الخطيب"، الذي استلم إمامة هذا المسجد سنة 1995 فقال: «هذا المكان قديم جداً، وقيل أنه عائد إلى عهد سيدنا "عمر بن الخطاب"، ومنذ القديم كان الجامع الوحيد في منطقة جوبر، امتاز هذا المسجد بوصفه الحالي بحجارته وأقواسه الحجرية السوداء، إضافة إلى جدران اللبن ودهن قديماً بالجص وذلك عام 1320هـ ، أما سقف الجامع فهو مصنوع من خشب الحور، ويعود عمره إلى 115سنة، كانت مئذنة المسجد قديماً خلف المحراب في الجهة القبلية، وكان لها مدخلاً من تحت المنبر، أما الآن فقد انتصبت عالياً فوق المسجد، وهي مغطاة بالصفيح الذي يعود إلى مئات السنين، وروي لنا أن إمام المسجد كان يصعد إلى أعلى المئذنة بواسطة الدرج، أعيد تأهيل ما هو ضروري من المسجد في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك أيام الشيخ "محمد الخطيب"، واستكمل بناؤه وترميمه في أيام أبنائه الشيخ "مسلم الخطيب" و"محمد علاء الدين"، آخر توسيع أحدث على المسجد كان عام 1970، حيث ضم الفرن والحمام المجاور إلى ملاك الجامع».

مئذنة الجامع القديمة

يحيط بجامع جوبر الكبير مجموعة من الأماكن الدينية والتاريخية، فبالإضافة لمقام الشيخ "الأصمعي" المقابل للمسجد، توجد زاوية الأصمعي العائدة إلى العهد العثماني، ويتابع الشيخ حديثه قائلاً: «الزاوية هي المكان الذي تقام فيه طقوس (الحضرة) التابعة للطريقة الرفاعية، والتي مازالت متبعة حتى الآن كل يوم أربعاء».

وتحدثنا مع "بشير محجوب السودة" صاحب كتاب "جوبر تاريخها وحاضرها" عن المسجد الكبير حيث قال: «يذكر البعض أن الجامع الكبير كان معبداً وثنياً، ثم أصبح كنيساً يهودياً ثم ديراً بيزنطياً، إلى أن اتخذ شكله الحالي كمسجد، ويقال أنه عمري، كما يذكر أنه تم العثور على قبور من الحجر لم يحدد تاريخها، دفنت ضمن أساس الحمام، وبالمجمل لم يحدد تاريخ بنائه، فيقال أن مئذنته أصيبت بطلقة مدفع ثم بنيت ورممت من جديد».

بانتظار درس تحفيظ القرآن

ربما تعارضت الروايات مع بعضها، وندرت الكتب التي توثق هذه المنطقة، حيث جاء في كتاب "السودة" حديث عن ضياع وتشتت بعض الوثائق والمعلومات منذ عهد "العثمانيين"، والعثور على بعض الكتب في دول الغرب، الأمر الذي أدى إلى الاستعانة بمستشرقين وباحثين غربيين.

على جميع الأحوال تبقى هذه الأوابد الدينية والتاريخية موجودة وشاهدة مهما جرى عليها من ترميم، فالقديم منها ما زال يختزل الحقيقة في جعبته، ليبقى هذا السر محفوراً داخل صخور المساجد والكنائس والمقامات والحمامات الدمشقية.