كثيرة هي المهن التي تشتهر بها مدن وقرى "سورية" والتي تعود بالزمن إلى عهود غارقة بالقدم والتي عمل الكثير من الأبناء على إحيائها باعتبارها إرثاً من الآباء والأجداد فأصبح الكثيرون يعتبرونها موضة العصر وأحد عناصر الجمال لكثير من الأماكن والمواضع.

موقع eSyria التقى بالحرفي "حيدر بزنكو" بتاريخ 8/5/2009 ليحدثنا عن مهنة صناعة الفخار والخزف والذي يقول عن نشأة هذه المهنة:

نستخدم في هذا العمل فقط التربة النارية التي تتحمل حرارة (1150 درجة) أما التربة النارية الحمراء فلا نأخذ منها إلا نسبة محددة وعموماً نأخذ من كافة أنواع الترب بنسب متفاوتة ـ حسب العمل المراد تكوينه ـ أي فخاري أو خزفي

«بداية هذه الصنعة كانت على ضفاف "النيل" و"بلاد الرافدين" منذ أكثر من 3000 سنة حيث إن الإنسان المبتكر ـ ونتيجة إصراره على تكييف الطبيعة بما يلبي احتياجاته ـ ومن ملاحظته وهو يستخدم موقدة بدائية كان يطهو عليها أنه عندما يقوم بإطفائها بالماء فإن التربة تتشكل لحد قاسٍ جداً ما يشبه الصخر فقرر تكوين أدوات بدائية تعتمد على التراب والطين وحرقها فأول ما بدأ به هو صنع حبال من الطين وحرقها على النار ووضعها فوق بعضها لتشكل بعض الأشكال (كأس ـ صحن ـ إبريق)».

حيدر بزنكو

وعن المراحل التي مرت به آلية العمل فيقول:

«في البداية كانت الطريقة المتبعة هي الطريقة البدائية حيث كان الإنسان يقوم بتكوين الأشياء وتشكيلها باليد وبدون استخدام أي آلة ولاحقاً أصبحت تعتمد على آلة من الخشب ـ يحفر لها في الأرض للتثبيت وتترك مساحة للقرص السفلي ـ ولكن مع ظهور مادة الحديد فإن الآلة أخذت تقوم على مسند مصنوع من الحديد وأصبحت الآلة تتكون من عناصر هي قرص علوي وقرص سفلي أما العلوي فهو لليدين وقياسه (30 ـ 35 سم) وأما السفلي فهو يدفع بالرجل اليمنى وقياسه (80 ـ 90 سم)».

أحد الاشكال المصممة

وعن الطين المستخدم في العمل فيحدثنا: «نستخدم في هذا العمل فقط التربة النارية التي تتحمل حرارة (1150 درجة) أما التربة النارية الحمراء فلا نأخذ منها إلا نسبة محددة وعموماً نأخذ من كافة أنواع الترب بنسب متفاوتة ـ حسب العمل المراد تكوينه ـ أي فخاري أو خزفي».

ويضيف: «إذا لم يكن الطين نظيفاً لا يستطيع الحرفي تصميم أي شكل، حيث يقوم بتصفيته من الشوائب بأساليب متعددة منها (الغربال) حيث يقوم بإزالة ما هو مغاير للتربة (بحص ـ شوك ) ـ حتى لا تتأثر داخل الفرن ـ وتوجد هذه التربة التي تصلح لصناعة الفخار والخزف والبورصلان والقرميد في منطقة "جديدة يابوس" في "دمشق" وفي منطقة "المخرم" وفي عدة مناطق أخرى في الشمال والتي تأتي من هناك لنقوم بطحنها وتنقيتها وعجنها وتخميرها ـ كعمل يدوي ـ لتكون جاهزة لبدء العمل».

محبي الأصالة

وعن مراحل العمل في الفخار والخزف فيقول الحرفي "حيدر": «بداية يقوم العمل حسب توصية التاجر أو من يريدها وتقسم إلى نفعية مثل الأدوات المستخدمة في الأعمال اليومية للأكل والشرب وغيره وكذلك نفعية ـ جمالية والتي تستخدم في المكاتب الرسمية وفي تزيين الصالونات والمنازل وتزخرف بالأشكال النباتية والهندسية والحيوانية وما إليه من تاريخ ماضٍ لعصور سابقة، وبعد تصميم الشكل المطلوب نقوم على تنشيفها ببطء كي لا تتعرض للهواء أو الشمس مباشرة ـ حتى لا تتأثر ـ وعندما تصبح خالية من الرطوبة يأتي دور الشواء داخل الفرن حيث تدخل الدور الأول بدرجة حرارة تبلغ 650 ـ 700 درجة وتسمى دورة (البسكويت) ـ وهذه المرحلة فقط للفخار ـ لتنتقل بعدها للمرحلة الثانية ـ إذا كان العمل للخزف ـ وتسمى مرحلة (التزجيج) حيث تطلى بالألوان والأكسيد التي تعطي الألوان اللامعة وتكون درجة الحرارة حسب نوع الأكسيد المستخدم وقد تصل إلى 900 ـ 1150 درجة لتخرج القطعة جاهزة للبيع».

وعن واقع المهنة فيقول: «المهنة متوارثة من الأقارب والأهل فأنا أحب هذه المهنة ليس من أجل المال ولكن لحبي لتشكيل الأشياء بالطين وحبي للإبداع والزخرفة وتكوين مجسمات وقد أورثتها لأولادي ولجعل هذه المهنة قائمة لا تنسى لأنها فن وذوق وجمال ويجب المحافظة عليها، وفي الآونة الأخيرة تحسنت أوضاع المهنة بفضل الدعم الذي تناله من الدولة لاهتمامها الزائد بالتراث العربي الأصيل وتقوم كافة المدارس بتطوير المنهاج الفني والمهني وأيضاً يعود الفضل لدائرة الحرفيين ومديرية السياحة عبر التشجيع على المشاركة في معارض مختلفة لضمان بقاء واستمرارية وجود المهنة».