شاركت محافظة "الرقة" بحضور باحثين من أبنائها في المؤتمر الدولي، الذي عقدته أمانة العاصمة في "دمشق" في عام /2008/ عن تطور المدن العربية والتراث العمراني، بالتعاون مع (منظمة اليونسكو العالمية).

وتعتبر مشكلة التطور العمراني الحديث للمدن العربية، والحفاظ على التراث المعماري القديم فيها، من المشاكل الأساسية التي تعاني منها معظم البلدان النامية، ومنها الدول العربية بشكل خاص، إذ أن مدننا العربية المشرقية منها، والمغربية على حد سواء شهدت، مع تسارع الزمن، تطورات في بنيتها الاقتصادية والاجتماعية بشكل حثيث، ما أدى بالضرورة إلى توسع عمراني ملحوظ ومفاجئ، ولا سيما في البلدان ذات البعد الحضاري.

..التنوع، وأحياناً التناقض، في المؤثرات الحضارية، والعبء، الظاهري المتمثل في الحفاظ على التراث

هذا الأمر بحد ذاته أدى إلى مشكلات تجاوزت في حدودها الدنيا والقصوى مسألة الحلول المؤقتة، إذ أنّ المشكلة أصبحت كبيرة بدخول عوامل أصبحت أشد تعقيداً وحساسية مثل ما يسميه السيد "مأمون الفحام" بـقوله: «..التنوع، وأحياناً التناقض، في المؤثرات الحضارية، والعبء، الظاهري المتمثل في الحفاظ على التراث»، في بحثه المنشور في مجلة "الدراسات الشرقية" المجلد /41-42/، ص/216/، دمشق /1993/ م.

الجامع القديم وجانب من مدينة الرقة داخل سور الرافقة

هذا الحديث يقودنا إلى المشروع التنظيمي لمدينة "الرقة" الذي طرح، في بداية الثمانينيات من القرن الماضي من قبل محافظة "الرقة" بالتعاون مع وزارة "الإسكان"، وقد تم تنفيذ هذا المشروع، بدءاً من بداية ثمانينيات القرن الماضي، وعلى مراحل متقطعة.. وفي ورقة العمل الأساسية نجدها تضمنت الأمور التالية:

  • دراسة الموقع، دراسة تاريخية شاملة، بينت فيها الموقع الجغرافي الذي تميزت به "الرقة" عبر العصور، وأهم تقاطع الطرق التجارية المارة بها، وأنّ هذا الموقع أهلّها لتكون محطة تجارية هامة على مر العصور.

  • مراجل التطور، التي مرت بها "الرقة" بدءاً من (العصر الحجري القيم)، وحتى بناء مدينة "الرافقة" "الرقة" في زمن الخليفة العباسي" أبو جعفر المنصور" /155/ هـ/772/ م.

  • تاريخ انتعاش المدينة في العصر الحديث، والتطورات الحاصلة في القرن التاسع عشر الميلادي.

  • المدينة ومشاكل التوسع العمراني لمدينة "الرقة"، الذي يمثل أهم المتطلبات الملحة التي تواجه القائمين على السلطات المحلية في المدينة، حيث نجد أنّ التطور العمراني العشوائي والمخالف، قد غطى كافة المناطق الخضراء المحيطة بالمدينة، وكذلك الزحف نحو المناطق الأثرية المحمية بمواد (قانون الآثار)، ومن أهم المناطق التي انتشر فيها التوسع العمراني المخالف، هي المناطق الثلاث (أ، ب، ج) الملحوظة في مخطط موضوع الدراسة، ولعل أهمها منطقة "الرميلة" العشوائية، التي شيدت فيها المباني العشوائية، فوق منطقة القصور العباسية، وهي كانت تمثل منطقة توسع المدينة في عصر "هارون الرشيد" أبعادها /3×4/ كم. وحسب الدراسية المقدمة من السيد "مأمون الفحام"، فإنّ خطة التنظيم كانت تهدف، إلى احتواء الاتجاهات العشوائية، وإلى تنظيم المناطق المحيطة بالمدينة، بحيث تتلاءم مع التكوين العام للمدينة، وبالتالي تكون المعطيات صحيحة وسليمة، بحيث تكون المناطق الأثرية والتراثية مصانة ومحفوظة.

  • كما أنّ ورقة العمل لحظت أبعاد المشكلة العمرانية، فمن المعروف أنّ مدن الجزيرة "السورية"، تشكل حالة متطورة في بنية التركيبة السكانية بالنسبة للقطر العربي السوري، ومع ذلك نجد أنّه كان هناك، وما زال، نقص كبير في عوامل التنمية (الاقتصادية والاجتماعية) الذي أثر ويؤثر على استقرار السكان. وبعد إنشاء سد الفرات ومشاريع التنمية التي رافقته، أصبحنا نلاحظ تغيراً كبيرًا في بنية التركيب الاجتماعي والاقتصادي..

    وفي هذه الحالة تعتبر "الرقة" من أكثر المراكز الحضرية التي تأثرت بالتغير والتطور السريع نتيجة قربها من السد. هذا الواقع الجديد في حياة مدينة "الرقة"، قد انعكس أيضاً على التطور العمراني للمدينة، خاصة بعد الازدياد الكبير لهجرة السكان من الريف إلى المدينة، بمعدلات أكبر من استيعابها..

    لقد أدى هذا الواقع إلى العديد من الظواهر السلبية في تكوين المدينة العمراني. لقد تبدل الشكل السكني، وذلك بأن تحولت طبيعة السكن من سكن موسمي، إلى سكن دائم بأعداد كثيرة ومتزايدة من السكان الذين بدؤوا بالاستقرار النهائي في المدينة. هذا الاستقرار أدى إلى مشكلة كبيرة، إذ أنّ أعداد كبيرة منهم بدءوا بالسكن العشوائي في المنطقة الواقعة بين منطقة الجسرين، وفي المناطق الأثرية كما أسلفنا سابقاً، وكذلك امتد السكن العشوائي في المنطقة الغربية من المدينة.

    وفي الناحية المعمارية التي شيدت في أحياء مدينة "الرقة" وخاصة القريبة من المنشآت الأثرية في المدينة، لم يراعَ فيها التناسب والانسجام والمواجهة، فجاءت أغلب المباني السكنية على شكل مبانٍ مكونة من طابق أو طابقين وبعضها ثلاثة طوابق، في كليتها تفتقر إلى النضوج التقني والفني، المتمثلة في إلغاء دور الفناء، وإلغاء الأسطح المطلة على الفناء وحماية الأسطح من حرارة الصيف، وكذلك إلغاء المرونة المتوفرة بالنماذج التقليدية (التوسع الشاقولي).

    أما المباني ذات الطوابق المتعددة، فهي في حقيقة الأمر تمثل الأنموذج الأسوأ في نمط المباني الرقية، إذ تفتقر إلى الكثير من الميزات الفنية والاقتصادية وحتى الإنسانية.

    يبدو أنّ المشكلة في رمتها تتصل بفقدان الجوهر والأصل، وعدم المقاربة ما بين هنا وهناك وحتى فقدان الذوق والإحساس ما بين ما هو فني، وما هو دون الفني.. لابد من المراجعة، ولكنها مراجعة طويلة.

    مراجع البحث:

    • الدراسات الشرقية شمال شرق سورية، المجلد/41-42/، دمشق/1993/م (إصدار المعهد الفرنسي بـ"دمشق").

    • مأمون الفحام، توسع مدينة "الرقة" (المفارقات بين منطلقات التنظيم وتجاوزات التطبيق). دمشق/1993/م ص من: /51-70 /.