تُعرَّف الطرديات بأنها شعر يصف الصيد وما يرافقه، وأول من ابتكر هذا الفن هو الشاعر الجاهلي امرؤ القيس، وتبعه في ذلك النابغة الذبياني، ولم يتخذ الطرديات جانباً مستقلاً من الشعر حتى جاء أبو نواس فاستقلت الطرديات على يديه، وذلك لكثرة وصفه للصيد والمطاردة، كونه قد عاشر الأمراء، ورافقهم في رحلات صيدهم.

ومن حيث أن الشعر الشعبي الفراتي من سلالة الشعر العربي الفصيح، فإننا نجدهما يلتقيان في جوانب عديدة، كالصورة والتشبيه والبيئة، إذ لا غرابة إذا ما وجدنا أن للطرديات أثر فيه، وسنقتفي هذا الأثر في لون "الموليَّا"، اللون الأكثر تنوعاً بين ألوان الشعر الفراتي، لنجد الشاعر بصورة الصياد، والحبيبة بصورة الغزالة، ولكن بصور متباينة.

فنجد هذه الغزالة ذات الأسنان اللؤلؤية والماسية بين مخالب النسر المدماة:

أسلحة الصيد

ليلو ثنايـا الترف الماز سـن لها يجازية تسجد العلام سنه لهـــا

الطير الأوشح صعد بالجو سنى لها كلل عليها بجناح وحـراب مدمية

ومع أنه يجيد صيد الغزلان منذ حداثة سنه، إلاَّ أن صيد تلك الغزالة الشاردة أعياه:

سافن جناب الدليل ضليل من شوفي على وليف القلب هو الحرق جوفي

من زغر سني أصيد ريام وخشوف ألا غزالٍ شـــرد معد يحقل ليه.

وهي من غزلان منطقة الخرس اللائي شربن ماءً صافيا ً حتى ارتوين، ولا يمكن للصياد أن يصيدها:

يروي الرياض الجرز من مبسمو للاه محشوم عن كل ردى واللاه عنولاه

كنها ضبايا الخـرس اليقنصوه مالاه فرز تنحن وجمن صــافي الميَّه

إلاّ أنه لا يلبث أن يتمكن من صيدها في تلك الروابي والمنحدرات، وهو يخشى عليها أن يخيفها آخر:

قنصت ريم المها بارض الحنو والرجل خوفي من المحضه ومن العفن تجفل

ما قلت لك يا ولد راس الصدر فنجال والخــد مثل الفنـار ياضي بعليه

وسيمتطي جواده ذا الأرجل المفتولة والذي يطوي البوادي طياً لشدة سرعته:

لا شد واركب على مفتول الذراعي يطوي البوادي ورفيجو بالفلا ساعي

دحج شمرت هنوف عيونها وساعي أظن أنهــا تلفت عينها......ليه

ولن يكون ذلك في الأحوال المعتادة، بل سيكون باكراً، وسيبحث عن تلك الغزالة التي رفضت أن يصيدها آخر دونه:

أركب جوادي ورا الكواك واسري بو عالريمة المتعبة القانوص تنحي بو

لظل برجوى الولف لمن مشط شيبو تيبين علم الصدق من ابن الحموليه

وأنها لجازية جفلى، وأتعبت ذلك الصياد الذي يريد صيدها، ولم يتمكن منها:

جازية جفلوهــا صليب مالاها عالريمة المتعبة القانوص مالاها

محبوبتي لي مشت يا حلو ملقاها نافت على اللولحن عالخد تركيَه

ثم يصف لنا الناقة التي يمتطيها، فهي ذات شداد شامي، تشبه نعامة البريد المرسل ما بين الشام والجوف:

اركب لجية الفحل وشدادها بجوفي تشبه نعامة بريد الشـام والجوف

لمن قالوا لي سرى مبسول الزلوف النار بقلبي سطت من غير جمريَة

اضرب البيدا عليهم فـوق مياحه شداد شامي عليها شعور طفاحـه

لوهب ريح الصبا مـن يمه وفاح شميت ريح الصبا من بلاد شرجيَه

وقد تكون تلك الغزالة هي التي جرحت الصياد وأدمته:

الريام جنه كرن وردن علي يا عم بيهن نجود طعنتني وما ظهر لي دم

تلايمن وجفلن فــزن وجمن جم أركض وراهن واخمـلهن ولف ليَه

ولم تكن هذه منازل الطرديات في "الموليا" فحسب، بل إنها كانت كثيرة، وما أوردته لم يكن إلاََ للإشارة فقط، ومن يبحث في "الموليا" يجدها كثر، ويجد السيل والربوة والغزالة والفرس مكللة بالنسيم الفراتي العليل كشعره، والمتدفق كما هو الفرات حباً وجوداً وعطاء وأمنية.

المراجع:

1ـ المحيط في الأدب، لمؤلفه "جبران مسعود".

2ـ الشعر الشعبي الرقي بين الأصالة والتقليد، مخطوط للكاتب "محمد الموسى الحومد".