أدرك العرب ومنذ بداية القرن الثاني الهجري، أهمية علم الصيدلة كعلم رافد للطب، وبرز في هذا المجال رواد عظام يدين لهم هذا العلم بالفضل الكبير، نذكر منهم "جابر بن حيان" الذي عرف بأبي الكيمياء، وهو العلم الذي مهد لعلم الصيدلة، وعن هذا العالم العربي الجليل يقول "مارسيلان برتيلو" عالم الكيمياء الفرنسي المتوفى سنة /1907/م، في كتابه (الكيمياء في القرون الوسطى)، بأن تجارب "ابن حيان" والنتائج التي خلص إليها، تمثل غاية ما وصل إليه العقل الإنساني من الابتكار، وإن كل من جاء إلى هذا العلم من بعده، هو عالة عليه، كما يقول عنه أيضاً، بأن لـ"ابن حيان" في الكيمياء، ما لـ"أرسطو" في المنطق، وعندما نتحدث عن الريادة في علم الصيدلة فإننا نقول بأن أول اختبار أجري للصيدلة، كان في عهد الدولة العباسية عام /221/هجرية، وقد حلف الذين خضعوا لهذا الاختبار ونجحوا فيه اليمين الخاص بهذه المهنة، وقد أخذ الغرب عن العرب الذين كانوا الأوائل في هذا العلم، كل أساسياته، ابتداءً بعلم الكيمياء، وانتهاءً بعلم الأعشاب، عندما كانت الكنيسة الغربية تمنع التداوي بغير زيارة الكنائس، والاستشفاء بالتبرك بالقديسين.

واستكمالاً من موقع eRaqqa بحديثه عن الأوائل في محافظة "الرقة"، بمختلف المجالات، نلتقي مجدداً بتاريخ (3/11/2008)، الباحث الأستاذ "حمصي فرحان الحمادة"، ليحدثنا عن الأوائل في الصيدلة بهذه المحافظة، حيث يبدأ حديثه لنا بالقول: «كنا ذكرنا بأن أول طبيب بشري كان في محافظة "الرقة" بعد نشوئها في عام /1863/م، كان الطبيب "فؤاد أيوب الأنصاري"، الذي افتتح عيادةً له في الجهة الشمالية من شارع "القوتلي"، وقد جمع هذا الطبيب في البداية، بالإضافة لمهنة الطب مهنة الصيدلة، فلقد كان يصف الدواء للمريض، ثم يبيعه له وكان هذا في عام /1915/م، ولكن أول صيدلية فتحت في هذه المحافظة، كانت صيدلية "سركيس سوليان" في عام /1917/م، وكان قد قدم إلى "الرقة" مع سوقيات الأرمن في بدايات القرن الماضي، وعندما بدأ الدكتور "عبد السلام العجيلي" عمله كطبيب ـ وهو كما نعلم أول طبيب من أبناء هذه المحافظة ـ في عام /1946/م، كان أحد الأرمن الذين استقروا في المحافظة يمارس مهنة الصيدلة التي اكتسبها بالخبرة، وكان يقوم بتركيب بعض الأدوية البسيطة، ويقال بأنه كان من أمهر الأطباء غير الرسميين في هذه المحافظة على الصعيد الشعبي، وكان ماهراً بزرق الحقن الطبية، كما أنه يستطيع تشخيص بعض الأدوية المضادة لبعض الأمراض، ولكل هذه الصفات مجتمعةً أحب الدكتور "العجيلي" أن يستفيد من خبرة هذا الأرمني في عيادته، فعمل فيها ممرضاً وصيدلياً بآن واحد، وكان اسمه "تيتوز"، ويسميه أهل "الرقة" "طاطوز"، امتلك شهرةً واسعة بينهم، وعلاوة على تفوقه بمهنته كممرض وصيدلي بالخبرة، كان يشتهر بروحه المرحة، وحبه الشديد للطرفة، فلقد كان كما وصفه أهل "الرقة" صاحب نكتةً حاضرة، سريع البديهة، يرسل نكاته وتعليقاته بلباقة وذكاء، وأجمل ما كان فيها هو لغته العربية المكسرة».

كان "خلف الحسن" ـ والد الصيدلي "فاضل الحسن"ـ يبيع الأدوية في محله التجاري المخصص لبيع الأقمشة بالسوق التجاري في شارع "القوتلي"، حيث ابتدأ ببيع حبوب "الكينا"، وتطور عمله بهذا المجال بعد ذلك فأصبح يبيع الأدوية، وكان ذلك في بداية خمسينيات القرن الماضي، وبهذا التوقيت أيضاً كان هناك "عبد الرحمن المهاوش" يعمل كمساعد صيدلي، إذ اكتسب هذه المهنة بالتدريب، وبعد هذا الزمان تم افتتاح أكثر من صيدلية في محافظة "الرقة"، وكان الصيادلة جميعهم من غير أبناء المحافظة، نذكر منهم "سامي ناصر آغا"، "صبيحة القلفة"، "جوزيف بارتوجيان"، "بخيت غريواتي"، وقام "أبو علي" باستئجار شهادة صيدلي شامي ومارس فيها مهنة تركيب الأدوية، وقد ذاع صيته في محافظة "الرقة" وريفها

يتابع "الحمادة" حديثه قائلاً: «كان "خلف الحسن" ـ والد الصيدلي "فاضل الحسن"ـ يبيع الأدوية في محله التجاري المخصص لبيع الأقمشة بالسوق التجاري في شارع "القوتلي"، حيث ابتدأ ببيع حبوب "الكينا"، وتطور عمله بهذا المجال بعد ذلك فأصبح يبيع الأدوية، وكان ذلك في بداية خمسينيات القرن الماضي، وبهذا التوقيت أيضاً كان هناك "عبد الرحمن المهاوش" يعمل كمساعد صيدلي، إذ اكتسب هذه المهنة بالتدريب، وبعد هذا الزمان تم افتتاح أكثر من صيدلية في محافظة "الرقة"، وكان الصيادلة جميعهم من غير أبناء المحافظة، نذكر منهم "سامي ناصر آغا"، "صبيحة القلفة"، "جوزيف بارتوجيان"، "بخيت غريواتي"، وقام "أبو علي" باستئجار شهادة صيدلي شامي ومارس فيها مهنة تركيب الأدوية، وقد ذاع صيته في محافظة "الرقة" وريفها».

في هذا المحل التجاري كانت تتوضع أول صيدلية لأول مجاز رقي

أما عن أول صيدلي أكاديمي تخرج من أبناء "الرقة"، فيذكر لنا ضيفنا خاتماً حديثه بالقول: «يعتبر عام /1967/م، هو عام تخرج أول صيدلي جامعي في محافظة "الرقة"، وهو الأستاذ "فاضل خلف الحسن"، المكنى بأبي "حيدر"، الذي حاول افتتاح صيدليته في المدينة، حيث لم يسمح له بذلك، إذ طلب منه أن يخدم كصيدلي لمدة عامين خارج محافظته، فأمضاها في مدينة "عامودا"، وعندما عاد افتتح صيدليته أواخر عام /1969/م، في دكان والده المرحوم "خلف الحسن"، الذي أورثه حب هذه المهنة، إذ سبق له بيع الأدوية في هذا الدكان كما ذكرنا، ويعتبر الأستاذ "فاضل الحسن" علاوةً على كونه أول صيدلي جامعي في محافظة "الرقة" يكون من أبنائها، بأنه أول رئيس منظمة نقابية في المحافظة، كما كان أول نقيب صيادلة من أبناء "الرقة"، حيث انتخب نقيباً لصيادلة "الرقة" عام /1978/م، وذلك بعد استقلال نقابة صيادلة "الرقة"، عن صيادلة "دير الزور"، وترك العمل النقابي عام /1982/م، وما زال على رأس عمله حتى الآن».

المعلم والباحث "حمصي فرحان الحمادة"
مواطن يركب دواء عند العطار برغم وجود الصيدليات