يُعدّ الرقص الصوفي "المولوية" من الطقوس الفريدة في العالم، التي تستقطب الوفود السياحية والحضور المحلي، وتعود في أصلها إلى العالم "جلال الدين الرومي" المولود في "أفغانستان" منذ 800 سنة تقريباً،

وبدوره أدخلها الشيخ "عمر البطش" إلى "سورية" بعد أن مهر في تنفيذها.

أخذ هذا اللون من الرقص بالتزايد والانتشار فبات له منشدين متخصصين ينشدون الموشحات الدينية والأندلسية أثناء الحفلات وصلاة التراويح، فيدور المولوي حول نفسه بسرعة منسجماً مع تلك الأناشيد والموشحات مؤدياً حركات الدعاء والتحية والشكر بيديه وجسده.

أجواء عائلية

و"للمولوية" الرمضانية والإنشاد حضور في المطاعم الشرقية القديمة في مناطق "القيمرية وباب شرقي وباب توما والنوفرة"… وغيرها من أحياء "دمشق" القديمة، ومن تلك المطاعم "القصر الأموي"، الذي يحتضن هذه الظاهرة ويعرض "المولوية" في مساءات الشهر الفضيل.

للتعرف إلى خصوصية المكان "eSyria" زار مطعم "القصر الأموي" في 2008/9/6. يعود عمر القصر كما أوضح تاريخه إلى 1400 عام وسمي قديماً قصر الخضراء.. وهو من قصور الخلافة الأموية وتحول منذ عقدين إلى مطعم ذي مائدة مفتوحة بصورة دائمة على الغداء والعشاء، ويتميز بمقتنياته الأثرية، أهمها الفرس الرخامي الصيني والمجوهرات البدوية والأسلحة والخزفيات والعاجيات، ويعود أصلها إلى العصر "الأموي والعباسي والفاطمي والمملوكي"، وتشكل في الصالة متحفاً أثرياً يستقطب الزائرين والمجموعات السياحية الوافدة.

طعام يوزع على الفقراء والمساكين

أما الطقوس الرمضانية فتقام في صالة المطعم، وهي قاعة تحت الأرض بمسافة طابق واحد، ما هو إلا مستوى الأرض الحقيقي الذي كان في تلك العصور وتبقى طيلة الشهر، يصاحبها العزف الشرقي على الدف والعود والقانون وأحياناً الدبكة الشعبية والعارضة الشامية والعرض بالسيف والترس..

وفيه وجبات الطعام، التي تزيد على 40 نوعاً من الأطباق الساخنة الخفيفة مثل الشوربات والسلطات، والدسمة مثل "الشاكرية والبشكات"، وهي أكلة شعبية قديمة تتكون من الأرز واللحمة المحشوة بالصنوبر، إضافة إلى المقبلات الباردة والحلويات والفواكه المخصصة "لرمضان".

اللافت في نظام العمل، أن الفائض من الطعام ومرتجع الوجبات لا يرمي أو يتلف كما تفعل بقية المطاعم، وإنما يجمع ويوزع على الفقراء والمساكين وعابري السبيل واليتامى.

حول "المولوية" قال السيد "ماهر الجمل" مولوي لـ "e Syria": «ورثنا الرقص الصوفي عن آبائنا وأجدادنا، وعملنا عليه كرمز للتوحد مع الخير والصفوة الإلهية ولا زال تراثاً دمشقياً محبباً للجميع وله خصوصيته ومكانته». وأضاف: «تؤدى الرقصة بشكل دائري وفق طريقة الحجاج في "مكة" المكرمة حيث يطوفون حول "الكعبة" باتجاه معاكس لعقارب الساعة أشبه لحركة الكواكب في السماء.

وفيما يتعلق بالزي التراثي المخصص لأداء المولوية، قال: «يتألف اللباس من تنورة بيضاء تمتد حتى أسفل الساقين، ويثبت على الخصر حزاماً أحمر اللون، ويرتدى فوقه جاكيت أبيض اللون، والطربوش على الرأس.

الطقس الديني للمولوية

للإنشاد دور في منح الطقس الديني أداءً رفيعا، حول ذلك قال المنشد السوري "محمود برهان" لـeSyria: «للطرب الديني تأثيره في النفس، إنه يبعث على الهدوء والسكينة ويبعد القلق والريبة، وهو ظاهرة محببة لدى الدمشقيين وللوفود السياحية الزائرة للمطعم، حتى أنهم يقابلون العرض والموشحات التي يسمعونها بالتصفيق والثناء، كونه من الفنون التراثية الراقية في "دمشق"».

وفيما يتعلق بالموشحات الدينية، قال: «بدأت الإنشاد منذ عام 1992، ثم انتقلت إلى الموشحات الدينية والأندلسية في عام 1998، ولم أزل مواظباً على أدائي واهتمامي بالعمل. أما الموشحات التي أنشدها منها وصلات "البيات" و"هلّ من قد صورك" ويا"فاتن الغزلان" والقدود الحلبية.

وقال السيد "محمد البستوني" أحد المسؤولين عن المكان: «الرقص المولوي من أجمل الفنون الصوفية، لكونه تراثاً شعبياً لدى السوريين، وله طابع روحاني يسمو في لغة التعبير بحركات الجسد». وأضاف: «نحتضن اللون الصوفي منذ أكثر من 20 عاماً، وجميع زائري وضيوف "القصر الأموي" يأتون للتمتع برؤية المقتنيات الأثرية والتفرج على المولوي وسماع الألحان الطربية، فتتأجج مشاعرهم وتعلو أصوات انفعالاتهم وحركاتهم المعبرة عن الدهشة والاستغراب.