«أنا الآن في شارع الدايت»... عبارة لن يمكنك فهم معناها إلا إذا كنت أحد مرتادي شارع الدايت! يقع هذا الشارع -شارع "الصفصاف" حسب التسمية الأصلية له- في واحد من أرقى وأهدأ مناطق مدينة "حلب" وهو حي الشهباء الجديدة.

قربه من الأحياء الراقية إضافة إلى خلوه من السيارات وهدوئه وواجهته الغربية وانفتاحه على حديقة تملؤها الأشجار جعلته مقصدا للمتنزهين من كل الأعمار الذين كانوا يأتون إليه إما بهدف المشي أو الجري من أجل تخفيف الوزن أو الحفاظ على الرشاقة أو حتى لمجرد التنزه!

متضايقين من السيارات التي تعبر مع الموسيقى المرتفعة فيها

وعلى مر السنين عُرف هذا الشارع بأسماء عدة مردها إلى أسماء مسؤولين وشخصيات هامة سكنت فيه، إلا أن التسمية التي أصبحت أكثر شيوعا وانتشارا هي شارع "الدايت".

حديثا ... زاد عدد الناس الذين يقصدون الشارع سواء أكان ذلك للجري أو المشي أو فقط لقضاء بعض الوقت، وزادت بالتالي أعداد السيارات التي تزور الشارع؛ وتحولت المنطقة التي كانت هادئة يوما إلى منطقة زاخرة بالحيوية والحركة.

«أمشي في هذا الشارع منذ عامين مع والدتي»، بهذا افتتحت إحدى الفتيات اللواتي يتواجدن في هذا الشارع كلامها، وأضافت: «ما أحبه في هذا الشارع هو أنه طويل وهادئ، ولا يوجد فيه طلوع أو نزول. أشعر فيه بالأمان كونه يحوي الكثير من الناس الذي يتمشون فيه خصوصا وأنني أتواجد فيه مابين الساعة العاشرة والحادية عشرة مساءا. وآتي لهنا صيفا وشتاءا بحسب الطقس».

وعن رأيها تجاه وجهة نظر سكان هذا الشارع قالت: «لا أعتقد بأنني سأكون منزعجة من المشاة لأن الشارع كان موحشا من قبل واعتقد أن هذا هو رأي والدتي أيضا».

وقد وافقها "عامر عاصي" طالب تخرج في كلية الطب الرأي، وقال إن ساكني المنطقة غير متضايقين من المارة ولكنهم: «متضايقين من السيارات التي تعبر مع الموسيقى المرتفعة فيها». وتابع: «كان الشارع هادئ منذ بدأت المشي فيه من أربع سنوات، ولكن عدد الأشخاص زاد كثيرا. غالبا ما أمشي لوحدي أو قد أمر أحيانا بالسيارة مع صديقي، أعرف معظم الموجودين هنا بالشكل وأعتبر أن هذه المنطقة هي واحة خضراء أوجدها سكان المنطقة لكي يستمتعوا بالمشي بدون منغصات». ويوافق معه صديقه "مهاب حراقه" المتخرج حديثا من كلية الصيدلة الرأي، ويعلق بأنه يأتي هنا لأن منزله قريب من هنا أيضا.

وعند الحديث عن المنازل، لابد من التطرق إلى سكان هذا الشارع ومدى تأثير هذه الظاهرة عليهم. وعن هذا تعقب "سوزان" الطبيبة الشابة التي افتتحت عيادتها حديثا بالقول: «أقيم في هذه المنطقة من عشر سنوات تقريبا مع أهلي، وأحب أن أقول أن هذه الظاهر قد بدأت تنتشر تقريبا منذ حوالي الثلاث سنوات. الحركة ليست دائمة إلا أنها تتزايد في الأيام من الخميس إلى الأحد وفي أيام العطل وخصوصا في الصباح الباكر وعند المغيب. يتواجد في هذا الشارع الكبير والصغير والعجزة وحتى الذين ينزّهون كلابهم».

وعن رأيها ورأي عائلتها في هذه الظاهرة قالت: «بالنسبة للمشاة أمر جيد، فقد أضافوا الحيوية للشارع خصوصا أنه كان يبدوا مخيفا ومقفرا من قبل، والآن أصبح آمنا مع وجود كل هذا العدد من الناس. أما بالنسبة للسيارات فالوضع مختلف، فعمليات "التشفيط" والسرعة الزائدة أدت إلى حدوث العديد من الحوادث المادية إضافة إلى عمليات دهس للقطط التي في المنطقة! ولكن على حد علمي لم تحدث أي إصابات جسدية بشرية بعد».

هذه الظاهر التي لاقت رواجا بين الكثيرين، وجدت طريقها في هذا الشارع والذي أصبح بمثابة متنفس ذي هواء نقي بعيدا عن ضوضاء المدينة وهموم اليوم، ورغبة منهم في الحفاظ على لياقة قد تكون ذي فائدة جمّة في سنوات العمر القادمة.