تجده أغلب الأحيان جالسا في زاوية معينة من أحد شوارع مدينة سلمية العريضة يتكئ على حافة ومعه عكازان لا يفارقانه أبدا يتبادل التحيات والأحاديث مع أغلب إن لم نقل كل الأهالي الذين يمرون به...

وتستغرب كيف لهذا الفم الخالي من الفكين والذي حين ينطق تعاني كي تسمع كلماته بوضوح أن يأتي بهذه الدرر النفيسة من الأحاديث ذات البعد الثقافي العميق والذي يريك كم تخزن ذاكرة هذا الرجل العتيقة من ثقافات تكاد لا تستوعب كمها وغناها وكيف لجسد وروح هذا المسن الذي تجاوز الثمانين أن ينبضا بكل ما تحمل كلمة الحياة من معان

إنه اسماعيل الأمير سليمان ذو الأربع والثمانين عاما الصحفي والشاعر والكاتب والمعلم والذي يتقن اللغات الثلاث العربية بكل روافدها من شعر وأدب وعلوم فهو يحفظ مكتبة الشعر العربي جمعاء وحين تزوره لابد أن يستقبلك بقصيدة ما..والفرنسية والإنكليزية التين درس وتعلم بهما.

موقع eHama مر به في زاويته المعتادة وتحدث عن تجربته بالفصحى المتقنة وبعفوية وعمق بآن واحد حيث قال لنا: "أنا من مواليد (1924)م أي أتممت منذ فترة عامي الرابع والثمانين. درست سنة واحدة ابتدائية في سلمية لكني أتممت دراستي في لبنان وكانت كل المواد تدرس باللغة الفرنسية لذلك تعمقت بالفرنسية ثم حصلت على دبلوم (الانفورماتيك)ثم انتقلت إلى العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية وبقيت في هذه الجامعة عشر سنوات

كنت أكتب.. كتبت في جريدة النهار وفي مجلة الصياد وغيرهما وكنت أتردد على الأماكن التي تغنيني ابتداء من مقاهي البحر وانتهاء بالأندية الثقافية وخاصة مجلة شعر وأتنقل بين مكاتب الأحزاب السياسية على اختلافها فأنتقي الأصدقاء الذين يهتمون بالأدب ويهتمون بالشعر والقراءة.

كان معي في الجامعة الأمريكية عام (1944) نزار قباني وكانت مقاعدنا متجاورة وإن أول مقال لي كان بالفرنسية وإن أردنا أن نترجم عنوانه إلى العربية فسيكون: (أحب الحياة لأني أحب المرأة) وللأسف فإن شبابنا اليوم لا يملكون احتراما لجمال المرأة فهم يرون منه الجمال الخارجي فقط ولم ينظروا يوماً إلى جمال المرأة الحقيقي والذي هو جمال الطبيعة ورونق الحياة ولذا تغزل الصوفيون بليلى لأنهم يرون جمال الله من خلال ليلى .. ليت الشباب يفهمون ذلك .. فلو فعلوا لأحبوا الحياة ..

أما عن قصة العكازين يقول:"في إحدى المباريات في الجامعة وقعت وانكسرت رجلي وكان عمري (17) سنة لكني وقتها لم أشعر بالألم في رجلي وإنما تألمت على الهدف الذي ضاع مني (ويضيف ضاحكا) لكني بعد عشرين عاما شعرت بالوجع وعندها ذهبت إلى ألمانيا للمعالجة على نفقة قسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية وهناك كنت أعطي أحاديث لصحيفة (كولور) العربية وأتقاضى النقود حتى أعيش.

استأصلوا العظم ووضعوا مكانه قطعة من البلاتين وقال لي الطبيب أنني أستطيع السير بدون عصى وفي لبنان كانت العصى تحمل للتباهي وحين تركت العصا شعرت بفراغ فعدت إليها وهاهي معي إلى اليوم. تزوجت قريبتي وكانت أميّة لكنها جميلة فأحببتها وتزوجنا وهي معي اليوم وأنا في البيت أرقص كثيرا وهي دائما تضحك وتنعتني بابن العشرين!!! في سلمية درّست أكثر من أربعين عاما في المجلس الإسماعيلي وكنت أترجم ما يأتي به الإسماعيليون الأجانب الضيوف، ألفت الكثير من الكتب أولها (ثورة القرامطة) ثم شيوخ الجبل والعديد من الترجمات منها ترجمة لرامبو وكتب كثيرة ضاعت في بيروت أثناء الحرب وهنا في سورية لي حوالي ثلاثين مؤلفا منها حكاية حياتي – الأميرة العاشقة – وآخرها في سلمية (سلمية تاريخ ومنجزات) وأنا الآن أحضر ديوانا بعنوان سلمية حبيبتي على غرار ديوان صديقي نزار قباني دمشق حبيبتي.

وأنا مستقر في سورية منذ سبع سنين ومازلت أكتب إلى اليوم ففي هذه السنة كتبت ثلاثة كتب وما زال عندي الكثير وأستغرب بالناس ذوي الأربعين عاما والذين يعتكفون عن الحياة إلى المقولة: لم يبق في العمر بقدر الذي مضى !!