كانت النسوة في الرقة، فيما مضى من الأيام حين يتمنين حصول شيء جميل في حياتهن، ينذرن لمقام ويس (أويس القرني) ديكاً أو دجاجة أو خروفاً، أو قطعة قماش، أو ما يقابلها من النقود، وإذا تحققت أمنيتهن، يذهبن إلى ضريح ويس لإيفاء الدين الذي برقابهن.
وكان فيما مضى قيّم يحرس المقام، يكنى بأبي عمشة، وهو رجل مبروك، فيه شلل في وجهه ويده وإحدى قدميه، من أولياء الله الصالحين، إذا مرَّ بالسوق يستطيع أن يأخذ منه ما يشاء، وكان أطال الله بعمره لا يأخذ إلاّ حاجته، وأهل الرقة يحترمونه، ويحبونه، ويطلبون منه الدعاء، ويسعون إلى التبرك به، والتمسح بأطراف ثوبه الأخضر، وعمامته الخضراء.
ومن أنواع النذور أيضاً أن النسوة، وخاصة الفتيات في سن الزواج، أو من فاتهن قطار الزواج، يحضرن إلى مقام ويس، ويعقدن شريطاً أخضر على شبك المقام، ويضمرن شيئاً في نفوسهن، كأن يتمنين أن تحل عقدة زواجهن، أو يتمنين شخصاً بعينه، ويرجعن إلى البيت، ويأتي شخص آخر (غالباً امرأة)، تقوم بفك عقدة الشريط، وإن انفكت العقدة يتيسر أمر الفتاة، أو المرأة، ويمشي قطارها.
وفي هذه الأيام توسعت دائرة ربط الأشرطة في مقام أويس القرني، أو مقام عمار بن ياسر، أو مقام الصحابي أبي بن كعب، ولا تكاد تذهب هناك حتى ترى العديد من الأشرطة المعقودة على شبك المقامات الثلاثة.
وهناك أيضاً مقام شهير يقع في قلب المسجد الجامع (الجامع العتيق) يعتقد أهل الرقة بأنه ضريح الصحابي الشهير وابصة بن معبد الأسدي، فيعظمونه ويُعلون من شأنه، ويجري فيه ما يجري في المقامات الثلاثة، لكن الباحث حمصي فرحان الحمادة، كتب كتاباً عن هذا الصحابي، يقول فيه: إن القبر الذي يعتقد أهل الرقة بأنه لوابصة، هو قبر واليها سعد الدين باشا العظم، وقد عُين والياً عليها سنة 1175 هجرية، 1762 ميلادية، وبينما هو يقوم بإدارتها، وقع الطاعون فيها، ففرّ من فرّ منها إلى البلاد المجاورة والنائية (حرّان والسلمية وحوران)، وهو قد تلّقى أمراً سلطانياً بالرحلة إلى بغداد، حيث عُين والياً عليها، وبينما هو يستعد للنقلة، إذ به يُصاب بالطاعون، فيموت مطعوناً بنفس السنة، فيدفن بباحة المسجد الجامع، وبمرور الزمن أصبح قبره قبراً لوابصة.