بطل رياضي يتحدى أقرانه ويقصدهم أينما كانوا، وينتصر عليهم بالتحفيز الذاتي لمهاراته، حمل كأس بطولة "تركيا" هدية لبلاده، وتمكن من تحقيق التوافق بين لعبة "الضاما" معشوقته ونقيضها الواقعي.

"الضاما" لعبة الأخلاق والعطاء، بهذه الكلمات القليلة بدأ البطل "سمير محمد" المشهور بـ"سمير الموعي" حديثه لمدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 8 نيسان 2015، حيث أضاف: «"الضاما" (أو دامة) لعبة لوحية شعبية ووسيلة تسلية وتنافس، ولعبة فكر وعلم معاً، لأنها تعتمد على الذكاء والبديهة، ومن يتقنها يمتلك الأخلاق العالية، كما أنها تحسن من شخصية لاعبها، وتضيف إليه الكثير من الصفات الحسنة، كالإنسانية في التعامل وتقبل الهزيمة، فالأشخاص الشرسون بطبعهم لا يمكنهم لعبها، لأنها تعتمد على الهدوء والصبر والتسامح؛ هي صفات ومقومات أدركتها عبر سنوات لعبي لها».

بعد دخول الأحداث الحالية إلى بلادي، أصبت بشلل نصفي نتيجة جلطة دماغية أقعدتني في المنزل، ولمحبتي لهذه اللعبة حاولت تدريب وخلق لاعبين متمكنين فيها، وأعطيتهم جميع خفاياها كي لا تبقى حبيسة ذهني وتموت بأساليبها وطرائقها وخططها معي، وبذلك أحقق أهم مقومات لاعب الضاما وهو العطاء

وبدايات تعلم تلك اللعبة بالنسبة للاعب "سمير" تمثل تحدياً لذاته ولبيئته المحيطة به، بالاعتماد على مقوماته الشخصية، وهنا قال: «منذ الطفولة وخلال معيشتي في "لبنان" ضمن حي برع سكانه بلعبة الضاما في حياتهم اليومية، كنت أحاول مد يدي على حجارة الضاما خلال كل جولة لعب، كفضول طفولي، فكانوا يمنعونني ويبعدونني بحجة أنني صغير، وهذا أثر فيّ كثيراً ودفعني إلى تحدٍّ ذاتي لتعلم هذه اللعبة بجميع أفكارها وخفاياها، وكان لي ما أردت، فعدت بعد انتقال سكني إلى "بيروت" لتحدي من رفضوا فضولي الطفولي وربحت جميع الجولات معهم، حتى أصبحوا يجتمعون حولي للتحدي ومحاولة حفظ ماء وجههم بعد الكثير من الخسارات المتلاحقة، وتبلورت الموهبة والقدرة على اللعب بالاحتكاك مع اللاعبين، وساعدني في ذلك سرعة البديهة التي أمتلكها، والتي تحفزت نتيجة التحدي، والأساس في هذا، العطاء الذي تحتاج إليه، والذي كان جزءاً مني».

سمير محمد

يمتلك اللاعب "سمير" العديد من مقومات الإبداع في لعبة الضاما؛ بحسب رأيه الذي أوضحه بالقول: «عندما أدرك أنني في موقع لا أحسد عليه خلال اللعبة؛ تتفجر طاقاتي الفكرية الإبداعية لقلب النتيجة وتحويل الجولة لمصلحتي، وهو ما أدركته خلال ممارستي للعبة على مدار عدة عقود، وهي في الأساس كما أراها لعبة الأغنياء، أي يجب ألا يكون اللاعب في حالة بحث دائم عن لقمة عيشه، لأنها تحتاج إلى وقت جيد من الحياة اليومية، وهذا ما لم أستطع توفيره لحياتي الاجتماعية والاقتصادية، وهنا كان تميزي بلعبة الضاما، حيث تمكنت من الجمع بينها وبين الوضع الاقتصادي المتردي أو الضعيف الذي أعيشه».

أساليب عدة تمكن منها لاعب الضاما "سمير"، أوضحها بالقول: «الهدوء وسيلة جيدة تمكنت منها للتغلب على الخصم، مهما كان يملك من هدوء وبرودة أعصاب، وألجأ أحياناً إلى الاستفزاز والإثارة ليفقد خصمي الهدوء والتركيز، فمثلاً في إحدى مباريات الضاما، وخلال لعبة ما تدخل أشخاص من خارج اللعبة لتعليم الخصم حركات تؤدي إلى خسارتي، فطلبت منهم أن يساعدوه ويتكاثروا في العدد ليمنح كل منهم رأيه ضدي؛ هذا لأنني أدرك تماماً أنه سيكون محرضاً لقدراتي التي لم تظهر بعد، وفعلاً ازداد عددهم وبدأت معركتي الفكرية الرياضية ضدهم، حتى تمكنت من السيطرة على الجولة وتحويلها إلى مصلحتي بالكامل».

بعد عودتي إلى بلادي "سورية" تعرفت إلى لاعبي الضاما في كل منطقة من المحافظة، وبدأت إقامة مباريات وتصفيات فيما بيننا، وحققت الفوز فيها كلها، ووصلت بالمباريات إلى محافظة "حلب" عندما سمعت بلاعب محترف فيها، يدعى "علي علايا" وهو محامٍ مشهور، وكانت البداية من أحد المقاهي المعروفة يجتمع فيها لاعبو الضاما، فجلست إلى جانب اللاعب الخاسر وهمست له بالقول: "ما رأيك أن تكون أنت الرابح"، فرحب بالفكرة بعد التعرف إليّ وقال سمعت عنك كثيراً، وخصمي هو ندك الذي تبحث عنه وجئت لأجله، وحينها جلست قبالته وكسبت الجولة، فرحب بي، وطلب مني البقاء في ضيافته عدة أيام».

لم يقتصر لعب البطل "سمير" على الضاما الواقعية بل لعبها افتراضياً، وهنا قال: «بعدما حققت الفوز بجميع جولات الضاما التي لعبتها، توجهت إلى اللعب على الإنترنت مع خصوم خليجيين وأهمهم من دولة "الكويت"، وحققت الفوز في أغلبها، وهذا كان دافعاً قوياً لقبولي دعوة أحد الأصدقاء الذين علمتهم اللعبة للمشاركة في بطولة "تركيا" التي أقيمت عام 2010، كممثل عن "الجمهورية العربية السورية"، حيث كانت المنافسة قوية وكبيرة لوجود أبطال من حوالي 120 دولة عربية وإقليمية، وحينها حققت المركز الثالث وأحضرت الكأس هدية لبلدي».

سمير محمد في جولة ضاما مع مراسل مدونة وطن

لم تكتمل فرحة البطل "سمير"، ولكنه صنع لذاته فرحة جديدة إخلاصاً للعبة الضاما وتطبيقاً لمقوماتها، قال عنها: «بعد دخول الأحداث الحالية إلى بلادي، أصبت بشلل نصفي نتيجة جلطة دماغية أقعدتني في المنزل، ولمحبتي لهذه اللعبة حاولت تدريب وخلق لاعبين متمكنين فيها، وأعطيتهم جميع خفاياها كي لا تبقى حبيسة ذهني وتموت بأساليبها وطرائقها وخططها معي، وبذلك أحقق أهم مقومات لاعب الضاما وهو العطاء».

ويتابع: «يجب أن يتمتع لاعب الضاما بأخلاق عالية وروح متسامحة، وهذا تجلى لدي في إحدى الجولات مع لاعب عالمي اسمه الحاج "محمد البزي"، حيث تعادلنا في الجولة الأولى، ومن ثم ربحت في الجولة الثانية، فتغير لونه وفيزيولوجيته الجسدية بالكامل، وكأنه سيصاب بخطب صحي ما، فهمس أحدهم لي وقال كلمتين هما: "اترك اللعبة"، وذلك بقصد أن يصاب الخصم المخضرم والبطل العالمي بخطب صحي جراء الخسارة أمامي كشاب فتي في مقتبل العمر، وحينها أيقنت أن هذه الخطوة غير أخلاقية مني، فتابعت جولة ثالثة وسمحت له بإنهاء اللعبة لمصلحته».

وفي حديث مع الحكم الرياضي للعبة الشطرنج "شفيق حمادة" قال: «اللاعب "سمير" بطل مبدع في لعبة الضاما، وإبداعه ينتظر الفرصة المناسبة ليتفجر ومعه الأفكار والمهارات، وحينها يحول اللعبة وجولاتها إلى مصلحته مهما كانت النتيجة، وقد عرف البطل "سمير" بدماثة خلقه وإخلاصة للعبة، وتجلى هذا بتعليمها لكل من رغب بتعلمها، وما يحزنني عدم وجود لجنة فنية خاصة بهذه اللعبة لتكرّم هذا البطل وتستفيد من خبرته فيها».

الجدير بالذكر، أن البطل "سمير محمد" من مواليد عام 1958، قرية "رأس مندو" التابعة لمدينة "صافيتا".