كانت تجربة السينما في مدينة صافيتا واحدة من الذكريات التي ارتبطت بـوجدانيات المجتمع قديماً، حين أحضرها أبناء المنطقة من دمشق إلى صافيتا، وشكّلت حينها منارة ترفيهية واجتماعية جذبت الناس إليها إلى أن دخل التلفزيون البيوت، فانطفأت شاشات العرض تباعاً.

عن البدايات

يتحدث "باسم رحمون" لـ(مدونة وطن) عن سينما النجمة، القريبة من مستوصف صافيتا حالياً، حيث كانت في يوم ما تحت إدارة واستثمار والده الراحل "محمد رحمون" المعروف بأبي بشار. يقول "رحمون": "تأسست أول دار للسينما في صافيتا في خمسينيات القرن الماضي، وكانت عبارة عن سينما صيفية على سطح الكراج المسمى "كراج عبود"، كانت قديمة الطراز مؤلفة من شاشة من القماش الخام الأبيض وماكينة تشغيل بدائية، قسمت إلى ثلاثة أقسام، سمي القسم الأول بالصالة التي تحتوي على المقاعد الخشبية، وكان سعر البطاقة في هذا القسم 50 قرشاً سورياً، والقسم الثاني هو اللوج والقسم الثالث البلكون، وكان مخصصاً للعائلات، حيث وضعت فيهما مقاعد فخمة من القماش الخمري اللون، وكان سعر البطاقة 60 قرشاً".

ويضيف: "في فترة لاحقة جرى افتتاح سينما الشرق وكانت تقع في مبنى يسمى "القناطر"، وكانت أحدث من حيث اتساع صالتها، ومقاعدها التي كانت على شكل مدرجات فخمة، عرضت فيها الأفلام الحديثة أيضاً، من أهمها فيلم (سفر برلك) لفيروز، الذي استمر عرضه أكثر من شهرٍ كامل، شاهده معظم أبناء صافيتا، لتقفل السينما أبوابها في السبعينيات بسبب ظهور التلفزيون".

باسم رحمون

أفلام متنوعة

رانيا عبد اللطيف

في بدايات السينما في صافيتا، كان يتم إحضار الأفلام من دمشق، وكانت تعرض في مدينة طرطوس ثم في صافيتا، تميزت الأفلام أنها الأحدث في ذلك الزمن وتنوعت بين الأفلام الغربية وأفلام الكاوبوي والأفلام الهندية والعربية، وكانت هذه الأفلام لأهم الفنانين العالميين أنذاك، من أمثال "آلان ديلون، أنتوني كوين، شامي كابور، صباح، عبد الحليم حافظ، فريد شوقي، فاتن حمامة، دريد لحام، نهاد قلعي"، وغيرهم.

كما عرضت أهم الأفلام الرومانية حسب "رحمون" منها: "ماشستي في أرض العجائب- انتقام سبارتكوس- حصار طروادة"، وكان لأفلام الكاوبوي جمهورها العريض، ومن أهم الأفلام التي عرضتها السينما (من أجل حفنة من الدولارات) وكان من بطولة "كلينت استود"، ومازالت موسيقاه رائجة حتى الآن.

مكان السينما القديم

ومن الأفلام الاجتماعية والتاريخية التي كانت تعرض حينها، يشير "رحمون" إلى أفلام منها "ذهب مع الريح- ريتا بافوني- جان فال جان- مدافع نافارون"، وعندما طغت موجة الأفلام الهندية ظهر فلم (جنكلي) الفلم العاطفي الذي أحبه الناس كثيراً، ومن خلاله اشتهرت أغنية (سوكو سوكو) للنجم الهندي شامي كابور، والطريف هو غناء الناس للأغنية الهندية، فأطلق اسم سوكو سوكو على صالون رجالي بجانب السينما لشدة شغف صاحبه بالفلم.

ويذكر "رحمون" قصة ذكرها له والده الراحل عندما أحضر من دمشق فيلماً عن حرب تشرين التحريرية والصدى الكبير الذي حظي به، وكان يعرض ثلاث مرات في اليوم.

ذكريات

وفي نفس السياق يقول المُعمِّر "إبراهيم ربيع" الذي عاصر بعضاً من تلك الحقبة: "كنا ننتظر مرور سيارة (البيك آب) في طرقات صافيتا للإعلان عن الفيلم الجديد وتاريخ عرضه بواسطة مكبرات الصوت اليدوية، فضلاً عن التجمهر الكبير لباصات القرى المجاورة أثناء عرض بعض الأفلام وخاصة أفلام المطربة "سميرة توفيق" وكأنه حدث كبير لما كانت تتمتع به من شعبية كبرى، وكان ذلك في عام 1949 حيث ازدهرت سينما الشرق القائمة في مبنى القناطر، حتى عام 1952 تحت إدارة عائلة الأرمني، وكان سعر البطاقة ما يعادل 50 قرشاً".

دور مجتمعي

بدورها تشير "رانيا عبد اللطيف" رئيسة القصر الثقافي في صافيتا سابقاً، إلى الدور التاريخي الذي لعبته السينما ثقافياً واجتماعياً اقتصادياً أيضاً، حيث كانت "سينما صافيتا" أول سينما في المدينة وتلتها سينما النجمة، وعرضت فيها الأفلام الوطنية التي تناولت الثورة على الاحتلالين العثماني والفرنسي، إضافة الى أفلام تناولت حياة الفلاحين والإقطاع، ولاقت اقبالاً كبيراً من مختلف الشرائح كما نظّم إليها حضور دوري لطلاب المدارس.

وترى "عبد اللطيف" أن الفنون من أكثر الأدوات تأثيراً بالمجتمع وخاصة السينما التي كانت تستثمر لأكثر من هدف، وهي مرآة لثقافة المجتمع الذي صنعت فيه، بالإضافة إلى معالجة السيناريو لبعض القضايا التي تهم الناس وتعالج المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة للجانب الترفيهي، فمثلاً اشتهرت أفلام فيروز جميعها وكان هناك تفاعل كبير معها.

وتشير إلى أن دور السينما كانت تخصص قسماً للشباب وآخر للعائلات، وكان يأتي إليها الناس من معظم القرى، وتأثرت لاحقاً بالأحداث السياسية التي مرت على سورية، مؤكدة الإقبال الكبير على السينما في طرطوس حالياً لأنه متنفس ونشاط اجتماعي وثقافي في نفس الوقت، خاصة في الظروف الحالية.

تجدر الإشارة إلى الدور البارز "لعبد اللطيف" في عرض أفلام الهيئة العامة للسينما، والتي تم صنعها أثناء الحرب، فحواها الحرب على سورية، والتي تعرض في المركز الثقافي وتقوم بدورها بنقلها إلى باقي القرى النائية، حيث يتم عرض هذه الأفلام بطرق تقليدية عبر جهاز إسقاط ولابتوب، ومن هذه الأفلام :(الأم، الأب، مريم، الطريق إلى حلب) وغيرها.