غرف متعددة تعود إلى العهد الفينيقي على قمة جبل "القضبون" بارتفاع حوالي 1100 متر، شكلت فيما بينها معبدين للتعبد، بنيا بنظام عمارة أخفى الباحة الأساسية التي تحيط بالحرم.

مدونة وطن "eSyria" التقت السيد "بسام وطفة" رئيس شعبة التنقيب في "دائرة آثار طرطوس" بتاريخ 28 أيلول 2014، ليحدثنا في البداية عن موقع "معبد القضبون" بالقول: «يقع موقع "القضبون" الأثري على قمة جبل "القضبون" التي ترتفع نحو 1100 متر فوق سطح البحر، على يمين الطريق العام الواصل بين "القدموس" ومدينة "مصياف"، ويبعد عن الأولى نحو اثني عشر كيلومتراً، وعن الطريق العام واحد كيلومتر، ضمن منطقة زراعية وسكنية ويتم الوصول إليه عبر طريق معبد.

تبدو التأثيرات المصرية واضحة في فن نحت التمثال، الذي يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، ونشير إلى أنه قد تم العثور على نصب مماثل له في موقع "عمريت" من الحجر الرملي، لكن "مسلة القضبون" المحفوظة في "متحف طرطوس"، أفضل وأهم بكثير من "مسلة عمريت". وتبلغ مقاييس المسلة نحو 183 سنتيمتراً في الارتفاع من دون اللسان، ومع اللسان 198 سنتيمتراً، وعرضها نحو 73.5 سنتيمتراً، وسماكتها نحو 22.5 سنتيمتراً، أما النفور فحوالي 5-7 سنتيمتر، وعرض اللسان نحو 29 سنتيمتراً، وارتفاعه 15 سنتيمتراً، والمسافة بين اللسان وطرف المسلة من الجهة اليمنى نحو 18.5 سنتيمتراً، ومن الجهة اليسرى 19.5 سنتيمتراً، أما وزن التمثال فهو 900 كيلوغرام

أما فيما يخص التسمية فهي "قيضب ون"، وتعني سيد الفيض "بعل"، إلا أن التسمية المعروفة الآن هي "القضبون" نسبة لوجود مقام الشيخ "محمد القضبون" المشيد على أنقاضه مثله كمثل الكنائس المسيحية الصغيرة التي شيدت على أنقاض المعابد الوثنية.

المعبد الثاني

ويختلف "معبد القضبون" عن المعابد الكنعانية بعدم وجود باحة مكشوفة تحيط بالحرم، في وسطها مصلى صغير أمامه مسبح للقرابين أو نافورة ماء، اكتشف هذا الموقع عام 1988 مصادفة عندما عثر المواطن "علي حسون" في أرضه على نصب الإله "بعل"».

ومن أهم المعالم الأثرية في الموقع وجود معبدين متباعدين، وهنا يقول: «المعبد الأول الشمالي الصغير عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل أبعادها 6×4 متر، ذات مدخل عريض يتجه باتجاه الشرق، يتقدم البوابة أرضية مبلطة ببلاطات حجرية كبيرة الحجم منحوتة، والغرفة أيضاً مبلطة ببلاطات حجرية منحوتة متوسطة الحجم، ويلاحظ في القسم الأخير من الغرفة المذبح أو قدس الأقداس.

الموقع العام

بني المعبد من حجارة كلسية كبيرة الحجم مشذبة، والجدران عريضة تزيد على واحد متر، ولاتزال قائمة حتى ارتفاع ثلاثة أمتار، ولم يبق من المعبد سوى هذه الغرفة، علماً أنه كان للمعبد تتمة، وهذا واضح من خلال الامتداد المقطوع للجدار الغربي وما لحق بالمعبد من تحول عند بناء غرفة للمقام في الجهة الغربية.

وقد كشفت التنقيبات التي تمت بمحيط المعبد في الجهة الجنوبية عن وجود عدد من الغرف والأساسات الملحقة بالمعبد، وقد تم العثور بنتيجتها على بعض النقود البرونزية التي تعود إلى الفترة الرومانية والبيزنطية والإسلامية، مع أن المعبد يعود إلى الفترة الفينيقية».

مسلة الإله بعل

وعن المعبد الثاني قال السيد "بسام": «يقع المعبد الثاني الغربي الكبير على بعد نحو 200 متر باتجاه الشمال الغربي من المعبد الأول في أعلى القمة الجبلية، الذي يتم الوصول إليه سيراً على الأقدام، ويتألف من عدة غرف، الأولى مركزية أبعادها 4×4 متر، لها بوابة عريضة تتجه باتجاه الشرق، أرضيتها مبلطة ببلاطات حجرية كبيرة ومتوسطة الحجم، يتخللها وسط الجدار الغربي باب ما زالت حواجبه قائمة، كذلك يوجد وسط الجدار الجنوبي باب ما زالت حواجبه قائمة، وكل منها مبني من كتلة حجرية واحدة، وإلى جواره درج.

أما الباب الثالث فيقع وسط الجدار الشرقي، فكل بابين متقابلين ومتماثلين، وكل باب في الداخل يؤدي إلى غرفة أخرى، ويلاحظ وجود إفريز نحتي على يمين البوابة من الداخل، كان مخصصاً لتثبيت تمثال، أما على الجهة اليسرى فهناك مرتكز منحوت لقاعدة عمود أسطواني محلزن صغير، عثرنا على قسم منه.

ويتقدم البوابة أرضية حجرية مبلطة ببلاطات حجرية كبيرة الحجم؛ لها إفريزان نحتيان مخصصان لتثبيت تمثالين، أحدهما على الجهة اليمنى والآخر على الجهة اليسرى، ويلاحظ وجود أقسام من أعمدة أسطوانية كبيرة الحجم تعود للواجهة، كانت تحمل مظلة متقدمة حامية لواجهة المعبد، وقد تم العثور على قسم من الواجهة المنحوتة، التي كانت تحمل رسماً منقوشاً لبقرة تُرضع وليدها، تم نقلها إلى "متحف طرطوس"، ويلحق بالمعبد أي بالغرفة المركزية ثلاث غرف، من الجهة الجنوبية والغربية والشمالية، أرضياتها مبلطة، وأبعادها متماثلة مع الغرفة المركزية، وجدرانها عريضة نحو واحد متر، يتم الدخول إليها من فتحات الأبواب في الغرفة المركزية، وهناك غرفة خدمة مستطيلة أبعادها 6×3 متر، واقعة في الجهة الشمالية الغربية.

كما يوجد خزان ماء مبني من حجارة مشذبة، وقد جرت عدة مواسم تنقيب في المعبد تم العثور خلالها على ثلاثة أختام وبعض النقود البرونزية التي تعود إلى الفترة الكلاسيكية والإسلامية، وهنا نشير إلى أن أصل المعبد فينيقي، ولكن المعالم الحالية تعود إلى الفترة الرومانية، وقد تم استصلاح الأراضي الزراعية المحيطة بالمعبدين، ما أدى إلى إزالة الكثير من معالم الموقع، حيث تم جمع حجارة الأبنية في نقاط محددة ضمن أكوام إذا ما تمت العودة إليها سنجد الكثير من الأدوات الحجرية البازلتية، وربما أجزاءً من نقوش أو تماثيل».

وفي لقاء مع المهندس "مروان حسن" رئيس "دائرة آثار طرطوس" تحدث عن "مسلة الإله بعل" التي تم العثور عليها في موقع "القضبون"، فقال: «هي مسلة من الحجر البازلتي عثر عليها في المعبد الثاني، من قبل المواطن "علي حسون" عندما كان يقوم بأعمال استصلاح أرضه الزراعية، وهي تمثل الرب "بعل" الكنعاني واقفاً بشكل نافر وبشكل جانبي، على رأسه تاج مخروطي ينتهي بظفيرة متدلية خلف الظهر، تصل حتى مستوى أعلى القدم، لتنتهي بشكل معكوف، وترمز إلى القوة، وتظهر ملامح الوجه ولحية، لكن بشكل جانبي، وهناك عصبة على الجبهة يعلوها من الأمام ذؤابة تنطلق منها جديلة تلتقي مع جديلة أخرى، مصدرها الفأس المقدسة، ليشكلا معاً الإطار الخلفي للمسلة، الذي يرمز إلى المطر والخير.

يمسك الإله "بعل" بيده اليسرى رمحاً، فهو إله محارب، وبيده اليمنى الفأس المقدسة "البيرق" التي يتحكم بها بعامل الطقس، فهو إله الرعد والبرق والمطر والخير عند الكنعانيين، يلف وسطه مئزر على الطريقة المصرية، يقف حافياً بقوه وثبات، وفي الأسفل يظهر سبع فاغر فاهه، وكأنه يئن من شدة الثقل، أخذت المسلة شكلاً مستطيلاً، انتهى من الأعلى بشكل محدب، ويرتكز النصب من الأسفل على لسان يتم تعشيقه في الأرض، ضمن مقر منحوت في الصخر.

ويوجد ثلاثة مقرات تثبيت، اثنان منها أمام البوابة على اليمين واليسار، والثالث على جهة اليمنى من الداخل، في حين يوجد مقر لعمود أسطواني حلزوني على الجهة اليسرى للبوابة من الداخل، تم العثور على قسم منه».

ويتابع السيد "مروان": «تبدو التأثيرات المصرية واضحة في فن نحت التمثال، الذي يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، ونشير إلى أنه قد تم العثور على نصب مماثل له في موقع "عمريت" من الحجر الرملي، لكن "مسلة القضبون" المحفوظة في "متحف طرطوس"، أفضل وأهم بكثير من "مسلة عمريت".

وتبلغ مقاييس المسلة نحو 183 سنتيمتراً في الارتفاع من دون اللسان، ومع اللسان 198 سنتيمتراً، وعرضها نحو 73.5 سنتيمتراً، وسماكتها نحو 22.5 سنتيمتراً، أما النفور فحوالي 5-7 سنتيمتر، وعرض اللسان نحو 29 سنتيمتراً، وارتفاعه 15 سنتيمتراً، والمسافة بين اللسان وطرف المسلة من الجهة اليمنى نحو 18.5 سنتيمتراً، ومن الجهة اليسرى 19.5 سنتيمتراً، أما وزن التمثال فهو 900 كيلوغرام».