طاحونة حبوب تعمل بتساقط المياه المسحوبة، يعود تاريخ بنائها إلى الفترة العثمانية المتأخرة، تعد نموذجاً فريداً للعمارة المدنية في الساحل السوري خلال القرن التاسع عشر...

إلى الشرق من دوار "المحطة" المعروف بدوار البلدية، بنحو 300 متر يتوضع أقدم جسر مشاة يصل بين ضفتي نهر "بانياس"، بجوار منزل "آل البيروتي"، حيث توجد طاحونة "رأس النبع" التي زارتها مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 أيار 2014 برفقة "بسام الحايك" مختار الحي الأوسط في مدينة "بانياس" ليطلعنا على أبرز معالم الطاحونة التراثية والأثرية، ويقول: «تقع طاحونة "رأس النبع" في حارة "القلعة" إلى جانب موقع نبع "رأس النبع" الشهير بمياهه العذبة دائمة الجريان، وتقدر المساحة الجغرافية التي تتوضع فوقها مختلف أقسام هذه الطاحونة بحوالي 500 متر مربع، ويمكن إدراك ذلك بالنظر فمشهدها الداخلي يوحي بكبر مساحتها أكثر من مشهدها الخارجي، وتعد من المعالم القديمة جداً في القرية، وأنا شخصياً أقدر عمرها بما يزيد على 300 عام، أي إنها بُنيت في فترة الاحتلال "التركي" وليس "الفرنسي" كما يشاع».

تشكل الطاحونة العثمانية نموذجاً فريداً للعمارة المدنية في "الساحل السوري" خلال القرن التاسع عشر، إضافة إلى ذلك فإن المفردات المعمارية للمبنى تؤرخ لنشاط اقتصادي مهم تجعل تسجيل المبنى ضرورياً للحفاظ عليه حفاظاً لهذا التراث المهم

ويتابع المختار "بسام" توصيفه لبعض أقسام الطاحونة، ويقول: «مياه التشغيل الخاصة بإدارة الفراشات الضخمة للطاحونة تُجر عبر قناة أرضية تسمى بـ"البغلة"، تبدأ من منبع مياه نبع "رأس النبع" كفرع عن النهر، وتستمر بطول حوالي 400 متر وتنتهي ببئري الإسقاط على الفراشات لتبدأ الدوران وتحريك حجارة الرحى الضخمة التي تطحن الحبوب».

المختار بسام الحايك

المهندس "علي البوز" أحد سكان المنطقة، يقول: «تقع الطاحونة بين الأبنية القديمة التراثية إلى جانب مركز تحويل كهرباء سمي باسمها "مركز تحويل الطاحونة"، على بعد بضعة أمتار فقط من مجرى نهر "بانياس"، وهي من الأملاك الخاصة بأبناء المدينة ولكن لا أحد يعرف مالكها الأساسي، وبناؤها الضخم مبني من الحجارة الرملية المتوافرة في المنطقة، ولكن أخفته الردميات والأوساخ المنتشرة في المكان، وهنا يأتي دور الجهات الرسمية للعناية بها وتعزيلها وإعادة الحياة إليها لتكون معلماً أثرياً مهماً يقصده السياح والمصطافين القادمين إلى موقع "رأس النبع" المنتشرة فيه المطاعم والمقاصف السياحية».

وفي لقاء مع الأستاذ "بسام وطفة" رئيس شعبة التنقيب في "دائرة آثار طرطوس" تحدث عن تاريخ "طاحونة رأس النبع"، ويقول: «تقع الطاحونة على مجرى نهر "بانياس" في إحدى حارات المدينة القديمة، وكانت الوثائق الصليبية تتحدث عن نشاطات اقتصادية كبيرة في "بانياس" منها: (أفران - معامل قصب سكر - طواحين مائية)، وعلى الأغلب فإن هذه الطاحونة تعود إلى العهد العثماني المتأخر، وهي استمرار لنشاطات مدينة "بانياس" التي تعرضت إلى زلازل كبيرة عبر التاريخ أدت إلى غياب معظم منشآتها تحت البيوت السكنية الحالية».

الشاهدة فوق المدخل الرئيسي

أما المهندس "مروان حسن" رئيس الدائرة فتحدث عن اللمحة المعمارية للطاحونة، ويقول: «يتم إيصال المياه إلى الطاحونة عبر قناة مائية تتفرع عن نهر "بانياس" وتصب في بئرين مبنيين من الحجر وتقع فوهتهما أعلى الطاحونة لكي يشكل انصباب المياه على الفراش الذي يوجد ضمن غرفة قليلة الارتفاع نوعاً من الشلال، يؤدي إلى تحريك حجري الطاحونة الموجودين ضمن بناء مسقوف بعقد حجري نصف اسطواني مبني من الحجر الرملي بطول 13 متراً، وعرض 10 أمتار، وارتفاع 3.7 متر، ويلاحظ وجود ساكف على مدخل الطاحونة يحوي كتابات يونانية، وعلى الأغلب يعود هذا الساكف إما إلى المرحلة الرومانية أو البيزنطية، وأعيد استخدامه في بناء الطاحونة ما يدل على أهمية الموقع».

ويضيف: «تشكل الطاحونة العثمانية نموذجاً فريداً للعمارة المدنية في "الساحل السوري" خلال القرن التاسع عشر، إضافة إلى ذلك فإن المفردات المعمارية للمبنى تؤرخ لنشاط اقتصادي مهم تجعل تسجيل المبنى ضرورياً للحفاظ عليه حفاظاً لهذا التراث المهم».

مشهد عام للسقف