تعد أمطار شهر نيسان من خيرة الأمطار على المحاصيل الزراعية في الريف الساحلي، فالمزارعون يعدونها ريةً تكميلية، وأسموها "رية الوداع وظهور السنابل"، واحتفلوا بها بطقوس شعبية ما تزال قائمة.

المزارعون في الريف الساحلي يعتمدون كثيراً على أمطار نيسان، لما فيها من خير على المحاصيل الزراعية، وهنا قال المزارع "إبراهيم سليمان" من قرية "وادي بركة" التابعة لناحية "العنازة" في مدينة "بانياس": «سجلت رية نيسان في المفكرات الزراعية للأجداد بطريقة دقيقة ومنتظمة، لما لها من انعكاسات إيجابية على المحاصيل الزراعية، وسجل بجانبها تواريخها وفق التقويم الشرقي والغربي، وكيف يمكن أن يستفيدوا منها على أكمل وجه، وهذا ما نقل إليها عبر تلك المفكرات، وواكبناه عملياً وزراعياً في أعمالنا الحقلية.

نعتمد في زراعتنا للمواسم الزراعية الصيفية على هطول رية الوداع أو الرية التكميلية كما سماها أجدادنا القدامى، حيث نبدأ زراعة الخضار الصيفية المتنوعة كالخيار والبندورة والباذنجان والكوسا والفاصولياء والفليفلة وغيرها، بعد هطولها مباشرة، لأن هذه الخضار إذا أمطرت عليها الرية وهي مزروعة في التربة تتأخر في الإنتاج، لذلك ننتظر هطولها وانتهاء تساقط أمطارها لنباشر الزراعة الصيفية

فنحن نعتمد عليها كمزارعين اعتماداً كبيراً لتحديد مواسم الخير والعطاء من مواسم الجفاف والمحن، وهذا مبدئياً بالنسبة لموسمي القمح والشعير، حيث تكون السنابل في هذه الفترة الزمنية بمرحلة ما يعرف بـ"التبطين"، أي مرحلة ظهور بطن منتفخ للسنبلة، وكأنها سيدة تحمل جنيناً في أحشائها، فإذا أقبلت الأمطار وتساقطت عليها تغذت جذورها المعروفة بأنها جذور سطحية، فينمو "الحمل" وتظهر السنبلة كاملة سليمة معافاة، وإذا لم تقبل وتتساقط، كانت المواسم الزراعية مواسم محن وقحط، وعلى هذا الأساس أطلق مثل شعبي قيل فيه: "إذا أقبلت وراها نيسان، وإذا أمحنت وراها نيسان"».

إبراهيم سليمان

أما المزارع "رامز حسن" من قرية "خربة السناسل" التابعة لمدينة "بانياس"، فتحدث عن بقية المحاصيل الزراعية، أو ما يعرف بحسب قوله بالمحاصيل الزراعية الصيفية، وتأثرها بالرية التكميلية، فقال: «نعتمد في زراعتنا للمواسم الزراعية الصيفية على هطول رية الوداع أو الرية التكميلية كما سماها أجدادنا القدامى، حيث نبدأ زراعة الخضار الصيفية المتنوعة كالخيار والبندورة والباذنجان والكوسا والفاصولياء والفليفلة وغيرها، بعد هطولها مباشرة، لأن هذه الخضار إذا أمطرت عليها الرية وهي مزروعة في التربة تتأخر في الإنتاج، لذلك ننتظر هطولها وانتهاء تساقط أمطارها لنباشر الزراعة الصيفية».

إذن؛ رية نيسان أو كما سميت أيضاً شعبياً وتراثياً في الساحل السوري "رية الرابع"، لها تواريخ شبه ثابتة في الهطول، دونتها مجتمعياً المفكرات الزراعية، وعن هذه التواريخ قال الباحث التراثي "حسن اسماعيل" من قرية "وادي بركة" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 نيسان 2015: «سميت رية نيسان التي تتساقط بالعموم ما بين الثالث من نيسان والسابع منه وفق التقويم الشرقي، وما بين السادس عشر والعشرين وفق التقويم الغربي، بتسميات متعددة منها" "رية الرابع، ورية الوداع، والرية التكميلية"، وتتساقط خلالها الأمطار ثلاثة أيام توديعاً للأمطار الشتوية واستقبالاً لفصل الربيع، فصل الخير والعطاء وألوان الطبيعة المزركشة، وعلى هذا الأساس جاء الاحتفال شعبياً بهذه الفترة الزمنية وهي فترة الربيع، منذ القدم، وسمي "عيد الرابع"، وكأنه طقس تراثي».

زراعات ربيعية

ويتابع: «احتفالات رية الرابع وحلقات الدبكة وما يرافقها من طقوس طهو وغيرها، التي كانت تستمر قبل هذه الأزمة طوال اليوم في ساحة قريتنا "وادي بركة"، وتجتمع فيها أفراد أكثر من عشر قرى محيطة بنا، كانت فرصة وحفلة تعارف تجمع الشباب والصبايا، من المرتبطين سابقاً والمنتظرين لأي عيد كان، أو القابعين "تحت نصيبهم" منتظرين نيسان أيضاً ليجدوا نصف قلبهم الضائع.

واللافت في الأمر أنه وقبل دخول الزوار إلى قريتنا، كان يظهر المختار وبيده راية قماشية كبيرة خضراء اللون، وكانت تسمى البيرق، ليستقبل الضيوف ويرحب بهم، معلناً انطلاق الاحتفالات بعيد الرابع، وكان يواكب هذا الاحتفال سلق البيض وتحضير السمن البلدي وصناعة خبز التنور للضيوف في كل منزل، أو ما يسمى بـ"خبزة الرابع"».

الباحث حسن اسماعيل